البناء التاريخي للمسجد الأقصى المبارك بين الروايات الإسلامية والتاريخية

يمثل المسجد الأقصى مكاناً مقدّساً ومحوراً أساسياً في العقيدة الإسلامية؛ فهو أول قبلة للمسلمين وثالث الحرمين الشريفين بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة.

يمثل المسجد الأقصى مكاناً مقدّساً ومحوراً أساسياً في العقيدة الإسلامية؛ فهو أول قبلة للمسلمين وثالث الحرمين الشريفين بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة. إن معرفة تاريخ بناء هذا المعلم الديني العريق تعتبر مهمة لفهم أهميته الثقافية والدينية.

وفقاً للنصوص القرآنية والسنة النبوية، أمر الله النبي سليمان عليه السلام ببناء المسجد الأقصى خلال فترة حكمه لبني إسرائيل. ورد ذلك في سورة البقرة الآية رقم ٢٥٧ "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مَّبِينٌ". يشير هذا النص إلى دور النبي محمد صلى الله عليه وسلم كرسول أخير لمملكة بني إسرائيل وهو ما أكده الحديث القدسي: "(... وهذه بيتي لا يغلظ فيه أحد فلا يغصب منه ولا ينهب)". ولكن التفاصيل حول عملية البناء الفعلية محاطة بالغموض بسبب عدم وجود روايات موثقة بشكل مباشر.

في الجانب التاريخي، هناك العديد من الروايات التي تسرد مراحل مختلفة للبناء عبر القرون. يعود تحديد موقع القدس كمكان مقدس قديم إلى حضارة كنعان القديمة حيث كانت المدينة تعرف باسم "اورشليم". وفي القرن الثامن قبل الميلاد، تم إعادة بناء الهيكل الثاني تحت اشراف ملك يهوذا زربابل بعد تدميره أثناء غزوات الفرس ونقله بالحجر بواسطة البابليين. ومع مرور الزمن، تعرض الموقع للتغيرات السياسية والعسكرية المختلفة مما أدى لإعادة بنائه وتعزيزه عدة مرات. وقد شهد عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بداية أعمال الترميم والإعمار الواسعة التي شملت تطوير التصاميم الهندسية للقدس وأجزاء منها مثل الصحن الخارجي للحرم الشريف والذي يعرف اليوم بالأقصى الجديد. كما قام الخليفة العباسي هارون الرشيد بإضافة بعض الجوانب الجمالية والمفروشات الداخلية للمسجد بما فيها مصابيح الإنارة. أما خلال الحقبة الصليبية فقد دمرت الكثير من معالم المبنى بينما نجحت حملات المسلمين لاحقاً بزعامة صلاح الدين الأيوبي وفارس النفاجي وغيرهما من القادة العسكريين الإسلاميين باسترجاعها وتوسيعها وتوفير الحماية لها حتى يومنا الحالي.

وبذلك فإن قصة بناء المسجد الأقصى تحكي عنها مختلف الكتابات الدينية والتاريخية وهي تتضمن مجموعة متنوعة من التأثيرات والحقب الزمنية التي شكلت جوهر هذه التحفة العمرانية والمعمارية ذات المكانة العالمية الخاصة.


الفقيه أبو محمد

17997 مدونة المشاركات

التعليقات