يُعتبر يوم التروية أحد أهم الأيام في مناسك الحج التي يؤديها المسلمون حول العالم، ويرجع اسم "التروية" إلى رواية دينية غنية بالتقاليد والتاريخ العميق. يرتبط هذا اليوم الثاني عشر من شهر ذو الحجة وفق التقويم الهجري، والذي يأتي قبل الوقوف بعرفة مباشرةً، ارتباطاً وثيقاً بسيرة النبي إبراهيم عليه السلام ونبي الله هاجر وابنها إسماعيل عليهم السلام.

وفقاً للتراث الديني الإسلامي، ففي هذا اليوم، أمر سيدنا إبراهيم زوجته هاجر بحمل ابنها الصغير إسماعيل إلى مكة المكرمة وأوصاها بأن تتركه هناك مع قليل من الطعام والشراب. بعد ذلك، عاد إبراهيم وحده تاركاً خلفه أسرة صغيرة محتاجة وسط صحراء قاحلة. عندما بدأت مخزونات المياه الجافة تنضب، أصبحت الأم بمفردها تواجه تحديات الحياة في البادية المحرقة بلا مائية ولا طعام ولا وسيلة للنجاة. هنا جاءت نقطة التحول في هذه القصة الدرامية حينما استجاب الله لدعائها بإرسال الملائكة لإنشاء ينبوع الماء المعروف الآن باسم زمزم. وقد سميت تلك الواحة الجديدة بـ "بيت التروية"، وهو المكان الذي "روت فيه" أم إسماعيل عطش نجلها الرضيع. وبذلك أصبح مصطلح "التروية" مرتبطاً بشكل مباشر ومؤثر بتاريخ هذا الموقع المقدس خلال فترة ما قبل بناء الكعبة المشرفة.

بعد مرور قرون عديدة وبعد تشييد الكعبة تحت إشراف الملك عبد الملك بن مروان عام 685 ميلادي تقريباً، ظل يوم التروية جزءاً أساسياً من شعائر الحج السنوي. اليوم الثالث عشر الموافق ليوم الوقوف بعرفة يتميز بأنه اليوم الأكثر قدسية والأكثر رمزية بالنسبة للمسلمين الذين يجتمعون لإقامة حلقات العلم والدعوة والصلاة والصبر المؤقت بين صخرتين صغيرتين معروفتين بصخرات أبي قبيس. يُعدّ هذا الحدث عادةً ذروة المناسبة الكبرى للحجاج الذين يسافرون لأداء فريضة الحج من شتى أصقاع الدنيا لتقديم طلبات رحمة ربانية وتجديد إيمانهم الروحي.

بهذا الشكل، يستمر تراث يوم التروية كجزء حيوي ومتواصل من الفرائض الإسلامية المعتمدة منذ القدم حتى عصرنا الحالي. فهو ليس مجرد ذكرى تاريخية فقط ولكنه أيضًا تعبير عملي عن الثقة والإيمان بالله سبحانه وتعالى واستعداد النفس البشرية لاستقبال نعم الخالق عز وجل وإظهار امتنان القلب تجاه بركاته المتنوعة عبر الزمن والمكان.