في رحاب الفلسفة الدينية والإنسانية العميقة، يبرز سؤال عميق ومثير للتفكر: "بما فضل الله بعضهم على بعض". هذا التساؤل الجوهري يعكس تعقيد العلاقات الإنسانية وتوزيع النعم والمصاعب في الحياة وفقاً لتصورات مختلفة. إن فهم هذه الظاهرة يتطلب الاستعانة بالكتاب والسنة، بالإضافة إلى النظر إلى منظور علم النفس الاجتماعي والفلسفة الأخلاقية.
يمكن تقسيم الفرق بين الناس إلى عدة مجالات رئيسية؛ أولها فيما يتعلق بالنعم العامة مثل الصحة والعافية، ثانيها في مجال المواهب الذهنية والجسدية، وأخيراً يتمثل ذلك أيضا في الأحوال الاقتصادية والثروات. جميع تلك المجالات تُظهر كيف يمكن لله عز وجل أن يُفضل شخصاً على آخر بناءً على حكمته البالغة ورحمته الواسعة.
من وجهة نظر دينية، يشير القرآن الكريم إلى مبدأ عدم المساواة كجزء أساسي من الوظيفة الطبيعية للحياة الدنيا. يقول تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} (هود:118). وهذا يؤكد أن الاختلاف والتعدد هما أساس الخلق، ولكنه أيضاً يدعونا للتأمل بأن اختلاف القدرات والأحوال هو عادة ما يقود للإبداع والتنوع المجتمعي.
كما أكدت السنة النبوية الشريفة على أهمية تقدير نعم الله والاستعداد لها عبر العمل الصالح والدعاء. روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قال المؤمن: الحمد لله رب العالمين، فإنه بذلك قد أثنى بحمد الرب جل وعز، ثم ذكر اسمه الكبير الأعظم». هنا نرى كيفية تحويل الشعور بالعجز بسبب تفاوت النعم إلى مصدر للقوة الروحية والمعرفة.
وفي الجانب النفسي الاجتماعي، فإن فهم طبيعة التفضيل الإلهي يساعد الأفراد على تجنب الغيرة والحسد والشعور بالعجز. بدلاً من التركيز على ما ليس لدينا، ينبغي لنا الاحتفاء بما منحنا إياه الخالق، الأمر الذي يؤدي غالبًا لنشر المحبة والتعاون داخل المجتمعات.
بالإضافة لذلك، تشجع العديد من المدارس الفلسفية الأخرى على قبول واقع الاضطرابات الاجتماعية باعتباره فرصة للتطور الشخصي والنضج العقلي. فالفلاسفة من أمثال إيمانويل كانت وهوبز اعتقدوا بأن وجود السلطة السياسية واجب لإدارة هذه التفاوتات بشكل عادل ومنصف.
ختاماً، وبينما نتأمل في قضية "بما فضل الله بعضهم على بعض"، نجد أن الإسلام يشدد على ضرورة الاعتراف بحرية القضاء والقدر الإلهيين واستخدام هذه المعرفة لتحقيق الخير العام والتقدم الشخصي. إنه دعوة للاستيعاب المتبادل والقيم المشتركة التي تربط البشر كافة بغض النظرعن تقدمهم الظاهري أمام الآخرين.