في سطور التاريخ الإسلامي الباهرة, برزت شخصيات لامعة أثرت بشكل كبير في المجتمعات التي عاشت فيها. واحدة من تلك الشخصيات الرائدة كانت "أم المساكين", اسم أصبح رمزاً للعطف والإيثار والكرم. هذه المرأة الجليلية ليست فقط مثالاً يحتذى به في الأخلاق الإنسانية, ولكنها أيضاً شهادة حية على قوة التأثير الإيجابي الذي يمكن لأي فرد أن يحدثه.
ولدت فاطمة بنت عبد الرحمن بن أبي العاص الثقفيّة في مدينة الشام خلال القرن الثامن الميلادي، وهي تنتمي إلى أسرة ذات مكانة اجتماعية مرموقة. رغم ثروتها ومعرفتها النسبية المرتفعة, اختارت طريقا مختلفا تماما عن الكثير ممن ولدوا ضمن الطبقات الراقية آنذاك. بدلاً من الاستمتاع بالترف وترف الحياة الفاخرة, قررت توجيه طاقاتها نحو خدمة الفقراء والمحتاجين.
بدأت رحلتها كـ"أم للمساكين" عندما اتخذت قرار بتوزيع كل ما لديها من مال على هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يعانون من الفقر والجوع. لم يكن هذا القرار سهلا بالتأكيد؛ فقد تضمنت التخلي عن مستوى المعيشة الراقي الذي ربما اعتادت عليه. لكن إيمانها القوي وخوفها من الله دفعاها لتجاوز الخوف وتقديم يد العون لمن هم بحاجة إليها أكثر منها.
أصبحت منزلها مركز تجمع للأيتام والأرامل والأقليات المالية. قامت بشراء الأطعمة والشراب وأرسلتهم لهم يومياً حتى أصبح معروف عنها أنها تقدم الطعام للجميع بلا تمييز. كما قامت أيضا برعاية العديد منهم تعليميا ودعويا, مما ترك أثر عميق ليس فقط في حياتهم الشخصية ولكنه ايضا شكل مجتمعها بطريقة مختلفة - أكثر تسامحا وإنسانية.
ومع مرور الزمن, امتد عملها الخيري إلى أبعد من محيط مدينتها الصغيرة. بدأ الناس يأتون لها بأنفسهم يطلبون مساعدتها وغيرتها الحقيقية جعلت منها شخصية تشجع الآخرين أيضًا على تبني روح العطاء والمعروف. وقد لفت فعلها الجميل انتباه السلطان نفسه والذي اصبح له احترام خاص تجاهها بسبب أعمال الخير التي تقوم بها.
وفي نهاية حياتها الطيبة, توفيت "أم المساكين" تاركة تراثاً غنياً ومنظراً جديداً لما يعنيه حقًا أن تكون إنسانيًا. إنها اليوم مصدر إلهام لكل من يسعى لتحويل أفكار الحب والعناية الذاتية إلى واقع حي يساعد المجتمعات المتعثرة حول العالم. إن قصة حياتها تعلمنا درسًا قيمًا وهو أنه بغض النظر عن الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي للشخص, فإن القلب الكبير والخيرين يستطيعان تغيير العالم بطريقته الخاصة وبصورة دائمة.