في رحلة الحياة، يواجه المسلمون تحديات مختلفة قد تُضعف إيمانهم وتُقلل من ثقتَهم برحمة الله ومشيئته الحكيمة. هنا يأتي دور تحسين الظن بالله - وهو أساس ثابت للإيمان والقوة الروحية. هذا المصطلح مستمد من حديث نبوي شريف يقول: "إنما الأعمال بالنيات"، مما يؤكد قوة النية في التأثير على سلوك الفرد وعلاقته مع ربه.
تعدّ الظنونة الجيدة بالله عز وجل أحد أهم عوامل تحقيق السلام الداخلي والاستقرار النفسي، إذ أنها تشجع المؤمنين على مواجهة الشدائد بثقة واقتناع بأن كل ما يحدث هو جزء من تدبير إلهي حكيم ولسبب عظيم. هذا النوع من التفكير الإيجابي يساعد الأفراد على تجاوز المحن والشدة بروح متسامحة ومرنة، مبررين ذلك بنظرتهم الصحيحة في قدرة الله وحكمته.
يشدد علماء الدين الإسلامي على ضرورة تعزيز هذه الظنونة الجيدة عبر عدة أمور عملية. أولها فهم عميق لمبادئ العقيدة الإسلامية التي تؤكد وجود خالق قادر ومتعالٍ يحب عباده ويراعي مصالحهم دائماً. فالإنسان كخليفة لله عليه أن يعلم أنه محل اهتمام ورعاية سماوية. ثانياً، ينصح الدعاة بتذكر نعم الله الوابِلة والتفكر فيها، فالذي منح حياة الإنسان ومنحه نعمة البصر والسماع وغيرها يستحق منه الشكر والثقة العمياء برحمته الواسعة وسعتها لتغطية جميع حاجات خلقه الإنسانية والمادية والنفسية. ثالثاً، الدعوة المستمرة للاستغفار والتضرع الصادق للرحمن تساهم بشكل كبير في زيادة الثقة بالإرادة الربانية والحكمة الخفية وراء الأحداث المختلفة.
من الناحية التطبيقية العملية، يمكن للمؤمن تطوير نظرة أكثر إيجابية للحياة باتباع نهج مشابه لنهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم. فقد كانوا يسارعون إلى الخير ويتركون الشر بإحسان، ويتحملون المشاكل والصعوبات باطمئنان وثقة كاملة بمصير أعلى خيرهم. كما كانوا يجتنبون اليأس والكدر عند حدوث مكروه، معتقدين أن كل حدث مقدر ومكتوب ابتلاء لهم اختبره الله بها وقد يقابلونه بجائزة عظيمة بعده. لذلك فإن محاولة تقليد هؤلاء القدوات العظماء ستؤدي غالباً نحو تفادي حالات الاستسلام السلبي أمام المصائب وتعزيز الشعور بالأمل والأمان في ظل حكم الله جل وعلى. بالإضافة لما سبق ذكره سابقاً حول فهم صحيح لأصول العقيدة ودعم ذلك بالقراءة المتنوعة للسيرة النبوية المطهرة، تتطلب عملية بناء ظن مطابق لصفات رب العالمين نوعاً آخر من التجربة الشخصية تتمثل فيما يعرف بالتأمل الشخصي والتعبير عنه بالعبارات التالية: "الله يكلف عبده بما طاقته" و"لا تذهب نفسٌ حتى تستوفي رزقها". وهذه العبارتان تحملان دلالات قوية تجاه رؤيتنا الخاصة لحجم المسؤولية وضرورات الرزق وفيهما تذكير بلطف القدر وإشراف الملكوت فوق عالم البشر بخيره وشره. وفي النهاية تبقى الدعوات اليومية للأخذ بيد المسلمين لإصلاح حالهم وتحقيق هداية قلوبهم وتيسير طريق صلاحهم هي دعوة صادقة لكل مؤمن لينطلق منها لتحسين ظنه بربه وبالتالي شعوره العام بالسعادة المقترنة بحياة كريمة مباركة تحت ملكوت الرحمن الرحيم.