يضم القرآن الكريم 114 سورةً، منها 86 سورة مدنية نزلت بعد هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة. وقد تميزت هذه السور المدنية بمجموعة من الخصائص التي جعلتها مختلفة عن السور المكية. سنتناول في هذا المقال تفصيلًا لعدد السور المدنية وبعض أهم سماتها الفريدة.
أولاً، يُعتبر تحديد عدد السور المدنية أمرًا محل خلاف بين العلماء والمختصين بالقرآن. ومع ذلك، استنادًا إلى أقوال معظم المفسرين، يُعتقد أن هناك ما يقارب الثمان وستين سورة هي سُورٌ مُدنيّة النزول. ومن الأمثلة على هذه السور الطويلة مثل "البقرة" و"آل عمران"، وكذلك قصار مثل "الجمعة".
ومن أبرز سمات السور المدنية أنها تتضمن تعليماته أكثر حول الشرائع والقوانين الإسلامية. فعلى سبيل المثال، نجد فيها أحكام الزواج والطلاق والإرث وغيرها مما لم يتم تناول الكثير منه في السور المكية التي كانت تهتم بشكل أساسي بالتوجيه الروحي والتذكير بالأخلاق والدعوة للإيمان. كما تُركز السور المدنية غالبًا على ترتيب وتنظيم الحياة الاجتماعية للمسلمين الجدد الذين كانوا يعيشون تحت حكم قريش قبل الهجرة، وذلك بتوفير إرشادات واضحة بشأن القضايا المختلفة المتعلقة بالممارسات الدينية اليومية والعلاقات الشخصية والحياة العامة.
بالإضافة لذلك، فإن العديد من الأحداث التاريخية المرتبطة بالنبي صلى الله عليه وسلم وحياة المسلمين الأولى خلال الفترة المبكرة من الإسلام يمكن ملاحظتها ضمن أحداث ومواقف مستفيضة داخل بعض السور المدنية تحديدًا؛ الأمر الذي يؤكد ارتباط تلك الآيات بالحالة الاجتماعية والثقافية آنذاك مما يجعلها ذات أهمية خاصة لأتباع الدين لاحقًا للحصول على فهم أعمق للتاريخ والنظام الاجتماعي للعصور الأولى للإسلام وللحفاظ على نموذج حياة متوافق مع التعاليم الدينية.
وفي النهاية، تجدر الإشارة أيضًا إلى أن اللغة المستخدمة والسرد القصصي للسور المدنية قد اختلفا مقارنة بالسور المكية بطابعهما الأكثر روعة وبلاغة وروحية خالصة. فاللغة هنا أكثر واقعية وعقلانية واستنباطية بناءً على الظروف المعاصرة للنزول والتي تنتهي عادة برسائل مباشرة وجلية للقراء بما يناسب احتياجاتهم الحيوية آنذاك وفي المستقبل كذلك إذ تبقى رسالتها شاملة عبر القرون.
