يُعدّ المذهب المالكي واحداً من أشهر وأبرز مذاهب الفقه الإسلامي التي حظيت باحترام كبير وامتداد واسع عبر التاريخ الإسلامي. يُنسب هذا المذهب إلى الإمام مالك بن أنس الأصبحي المدني، وهو واحد من أبرز العلماء المسلمين الذين تأثروا بشكل مباشر بتعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم وفقهاء المدينة المنورة القدامى. يعود تاريخ إنشاء هذا المذهب إلى القرن الثاني الهجري تقريبًا، عندما بدأ الإمام مالك جمع أحاديث الرسول الكريم وسنة الصحابة لتكوين قاعدة قانونية متكاملة تناسب واقع المجتمع المسلم آنذاك.
تتميز مدرسة فقه مالك بالاعتماد الكبير على القياس والاستصحاب والاستحسان بالإضافة إلى الأخذ بالأمارات الشرعية كالأثر والسيرة والتقاليد المحلية. وينفرد أيضًا بدراسته الواسعة لقواعد الاستدلال واستخدامها بكفاءة عالية مما جعله مرجعاً أساسياً للمجتهدين والمفتين منذ القدم حتى يومنا الحالي. وقد انتشر تأثيره جغرافياً خارج حدود الدولة الأموية ليشمل مناطق شمال أفريقيا والأندلس ومصر وغيرها الكثير.
في مجاله الخاص، يركز المذهب المالكي اهتماماته الرئيسية على تحديد الأحكام العملية والمعاملات اليومية للحياة الدينية والدنيوية بناءً على النصوص القرآنية والإسلامية الصريحة والتي تتضمن روايات صحاح وآثار وثابتة. ومن خلال نهجه الواقعي العملي، سعى المالكيون لإصدار فتاوى تعالج قضايا معاصرة تواجه مجتمعاتها المختلفة جنباً إلى جنب مع تقديم تفسيرات مستفيضة لما ورد سابقاً لتلبية الاحتياجات المستقبلية أيضاً.
وبشكل عام، كان لمدرسة محسوبية مالكان دور مؤثر جداً داخل العالم العربي والإسلامي نظرًا لحكمتهم وفكرتهم الثاقبة في فهم الشريعة الغراء واتباع مسار وسط بين المتشددين والمعتدلين بغرض تحقيق العدالة الاجتماعية ضمن إطار شرعي ثابت. وبفضل هذه الخصائص وتمسكه بالنص القرآني والأحاديث النبوية وإعمال العقل بحكمة وروية، ظل المذهب المالكي شامخاً ومتصدرًا المشهد الثقافي والفكري لعصور عديدة بعد رحيل مؤسسه العزيز.