في سلسلة الأنبياء والدروس التاريخية التي تحمل بين طياتها العبر والعظة, يأتي ذكر قصة قوم لوط عليه السلام كاستثناء مؤلم ومثير للتفكر. هذه القصة التي روتها كتب الله المنزلات وتتناقلها الأجيال عبر الزمن تُبرز لنا جانباً مظلماً من الطبيعة البشرية بمجرد أنها تخضع لإغراء الشيطان وفقدان الحس الأخلاقي. سنستعرض هنا بعض المعاصي البارزة التي ارتكبها هؤلاء الناس وكيفية تعامل القرآن الكريم والسنة النبوية مع تلك الأعمال المحرمة.
كان قوم لوط معروفين باستقبال الضيوف بكرامة واحترام, وهو ما كان يمثل خلقاً عظيمًا يُشاد بهم فيه. لكن هذا الخلق تغير إلى نقيضه تماماً عندما أصبحوا يستقبلون ضيوفي الرحمن - ملائكتيه الذين جاءوا لإنذارهم بغضب الله وانتقامه بسبب فساد مجتمعهم وضلالهم الواضح. بدلاً من تقديسهم والإحتفاء بهم كما ينبغي, سعى رجال المدينة الفاسدة لاستخدام قوة الرجال ضد هؤلاء الغرباء المقدسين, مما يدل على مدى انحراف قلوبهم وانعدام الرحمة لديهم تجاه الآخرين حتى وإن كانوا نزلاء غير مدعوين! كانت محاولة استبدال الواجبات الدينية بالشهوات الجنسية جريمة عظيمة بحسب التعاليم الإسلامية وقد وصفها رب العالمين بأنها "فاقة" تشير إلى عمق الخطيئة وأنه لن يتم قبول اعتذاراتهم مهما بلغت حرارة طلب المغفرة منهم لاحقا.
كما سلط الدين الإسلامي الضوء بشكل مباشر ومتعمق على طبيعة الرذيلة المثلية جنسياً والتي تعد تحريماً واضحا منذ بداية التشريع الرباني وقت نزول الوحي الأول للأديان المختلفة بما فيها اليهودية والمسيحية بالإضافة للإسلام بطبيعة الحال. ففي حين يعترف البعض بتلك العلاقات ضمن حقوق الإنسان الحديثة ويصفونه بأنه حق انتخاب شخصي, فإن الحقائق الكتابية والتاريخية تؤكد خلاف ذلك تماماً. إن كتاب الله عز وجل والسيرة النبوية خير دليل على نهج العدالة الإلهية والقوانين الرسالية الصارمة بشأن مثل هكذا تصرفات غير مقبولة شرعاً وعاقبة مرتكبيها وخيمة حسب العقيدة الإسلامية بناءً على أدلة واضحة وردت بالنص القرآني والسُنّة المطهرة المتوفرة لدى علماء المسلمين حول العالم اجمع.
ومن الجدير ذكره أيضا كيف قام النبي محمد صلى الله عليه وسلم بنصح المؤمنين بعدم اتباع خطوات أولئك القوم الضالين وأن عليهم تجنب كل ما يؤدي لعقاب الآخرة وفق توضيحات النصوص الشرعية الثابتة والمعروفة لكل مسلم ملتزم دينه وسليم عقيدته. وهذه الدعوة المستمرة للتذكير بذوي المصائر السيئة هي وسيلة إيمانية مستخدمة غالباً للحذر والحفاظ على المسيرة الروحية للأمة نحو رضوان الله وطاعته سبحانه وتعالى. وبالتالي فان صيانة المجتمع وحماية أفراده من الانحراف تبدو واجبة ودور المرجعيات الدينية قائم بكشف المخاطر البيانية لهذه الأمراض الاجتماعية المعدية ونصح العامة بها لما تمليه عليهم آداب التعليم والنصح المبنية أصلاً على حفظ الأمن الفكري والأخلاقي للمجموعات الإنسانية تحت سقف واحد متدين ومنظم دستورياً وفق شريعة خالق البشر جميعا جل وعلى!
وفي النهاية يجدر بنا التأمل مليّا فيما حدث لأهل سدوم وعاد وتلك المدن الأخرى ممن عصوا أمروا واستهزءوا بوعظ رسلهم فتجرعوا غضب الله وغدروا بفتيانهم مخالفين بذلك قوانين الحياة الدنيا قبل حساب يوم القيامة المرعب...فعلى الرغم من وجود اختلافاته الثقافية والفلسفية الجديدة إلا أنه يبقى صحيحا دائما أن هناك حدود أخلاقية ثابتة قد رسمها الخالق لتكون قاعدة مشتركة يمكن الرجوع إليها عند مواجهة تحديات العمر اليومي لذلك فنحن مجبولون باتباع منهاجه تعالى وإتباع هديه كي نحمي ديننا وشرائعه السامية ولا نسقط مثلهم فريسة جهنم نارًا خالدين فيها أبداً!!!