في العام الثامن للهجرة، شهد العالم الإسلامي حدثًا عظيمًا يُعتبر نقطة تحول حاسمة في التاريخ الإسلامي؛ وهو فتح مكة المكرمة. هذه المدينة التي كانت مركزاً رئيسياً للحجاج قبل ظهور الإسلام، أصبحت مهد الرسالة المحمدية بعد نزول الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. عندما قرر القائد العسكري خالد بن الوليد شن هجوم مفاجئ على قوات قريش المتمركزة حول جبل النور خارج حدود مكة، تغير مسار الأحداث بشكل جذري.
بدأ الحصار المفاجئ للمدينة يوم الخامس عشر من شهر رمضان، واستمرت المعركة حتى الـ21 منه. رغم محاولات الاستعدادات الدفاعية الشرسة لقوات قريش وبقيادة أبي سفيان بن حرب، إلا أنها لم تتمكن من صد تقدم المسلمين الذين دخلوا مكة بالهدوء والاستسلام الهادئ بدون أي سفك للدماء تقريبًا. هذا الدخول غير الدموي كان نتيجة لنهج المصالحة والحكمة الذي اتبعه النبي محمد صلى الله عليه وسلم. لقد أكد حرصه الواضح على سلامة سكان المدينه وحرصته على تطبيق مبادئه الأخلاقية السامية خلال تلك العملية الكبيرة.
بعد دخوله الفائز إلى المدينة المقدسة، أول ما قام به الرسول الكريم هو إزالة أصنامها الثلاثماية وثمانية وثلاثين صنماً الموجودة بالحرم، مما يعكس تركيزه على إبراز وحدانية الخالق عز وجل وحده. بالإضافة لذلك، أمر بإطلاق جميع الرقيق وأعلن عفوه عن جميع مواطني مكه القدامى بما في ذلك أقربائه المقربين مثل عمّه أبو لهب وزوجته هند بنت عتبة. هذه الخطوة الإنسانية الكبيرة ترسخت مكانة الدين الإسلامي كدين الرحمة والمصالحة للجميع.
وفي اليوم التالي مباشرةً، توجه المسلمون لأداء فريضة الحج لأول مرة منذ قدوم نبينا للعالم الغربي. وهذا العمل الجدير بالإشارة يؤكد أهمية تعزيز الروابط الروحية والعقائدية بين المجتمعات الإسلامية الجديدة آنذاك وعلى مستوى الجغرافيا العالمية بشكل عام. كما أنه يشكل أساساً روحانياً قوياً يجمع الناس تحت مظلة العقيدة الموحدة للإسلام.
إن فتح مكة يعد أحداث بارزة للغاية في رحلة الدعوة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وللدولة الإسلامية الناشئة حينذاك. فقد أسفر عن توحيد الجزيرة العربية وتوسيع نطاق النفوذ الثقافي والديني عبر مناطق واسعة أخرى متعددة الأعراق والأديان المختلفة والتي ستنضم فيما بعد إلى الراية الإسلامية. ومن هنا يستطيع المرء التأمل والتقدير لما حققه الصحابة رضوان الله عليهم وكل المؤمنين لاحقتهم من انتصارات عظيمة قائمة على العدالة والإنسانية والقيم المشرفة المستوحاة من القرآن والسنة النبوية المطهرة.