في رحلة العقيدة والإيمان، تعد الهجرة إلى الله أحد أهم المعالم التي يعتنقها المسلم الصادق. ليست هذه الرحلة مجرد انتقال جسدي من مكان لأخر كما حدث مع الأنبياء السابقين مثل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما انتقل من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، بل هي قبل كل شي تحول عميق داخل القلب والعقل.
بحسب التعريفات القرآنية والسنة النبوية الشريفة، تعتبر الهجرة نوعان أساسيان: النوع الأول يتمثل في ترك البيئة السلبية وغير المؤمنة والمنافقة والكافرة، وهذا يشمل الأشخاص الذين يسعون لإفساد المجتمع الإسلامي. أما النوع الثاني فهو الأكثر روعة وروعة وهو هجرة القلب وخلوصه لله سبحانه وتعالى. هذا يعني التخلص تمامًا من حب الدنيا وزخرفاتها واستبداله بحب خالص وخالص للإله الواحد الأحد.
إن مفهوم الهجر هنا ليس معنياً فقط بتجنب الأشياء المحرَّمة دينياً، ولكنه أيضاً يدور حول تجنب الأفكار والسلوكيات الضارة والتي قد تؤثر بشكل سلبي على إيمان المرء وطاعته لله. كمَثَل، فإن منع النفس عن الانغماس في الغيبة، التجسس، الكذب وغيرها من الأخلاق الدنيئة يعد جزءاً مهماً جداً لهذه الرحلة الداخلية.
وكلما زادت قربتنا لله عز وجل عبر تطبيق تعليماته والتزام شرائعه، تصبح حياة الإنسان أكثر صفاء وصمتاً أمام الله. يقول الإمام ابن قيم الجوزية: "هو ان ينوي قلب العبد مغادرة دار ظلمة الشهوات واتباع هواها الي دار نور معرفة الحق ومعيته". بالتالي، تكون الحياة الإسلامية متوازنة بين العمل الظاهري (الأعمال الصالحة) والعمل الباطني (التطهير الداخلي).
وفي النهاية، هدف الهجرة الحقيقي هو الوصول لحالة الاستقامة والاستقرار الروحي. إذ بالإمكان اعتبارها حالة دائمة ومستمرة تشعر فيها روح المسلم بجلال وعظمة الرب جل وعلا. إنها دعوة للتعمق والصلاة والصيام والقراءة المتأملة للقرآن الكريم لنيل رضا الخالق وثواب الآخرة. فهل أنت مستعد لتبدأ رحلتك؟