تتميز سورة الكوثر بمكانتها الخاصة بين سور القرآن الكريم بسبب كونها أقصر سوره عددا للآيات والألفاظ والحروف العربية. تتألف هذه السورة المباركة من ثلاثة آيات فقط وفق تواتر علماء التفسير، مما جعلها فريدة ومعبرة بشكل خاص وسط منظومة النصوص المقدسة.
تنسب تسميتها إلى "الكوثر"، وهو اسم لنهر جاذب في جنات الخلد كما بشر النبي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم. يقول تعالى في بداية السورة: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1].
يرجع البعض اختلاف الرأي حول طبيعة مكان نزول السورة سواء كانت مكية أو مدنية لوجود روايات مختلفة لدى بعض الصحابة والتابعين. لكن غالب الروايات تؤكد أنها مكية الأصل نظراً لبداية نزول الوحي في المدينة المنورة لاحقاً.
بالإضافة لصغر حجمها، تتميز سورة الكوثر بأن محتواها يدور حول عدة معاني عميقة ومتوازنة. أولاً، يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله بتقديم الشكر والصلاة لله عبر بسم الله الرحمن الرحيم والذي يعد أساس التعامل مع الذات الربانية الأعلى. ثانياً، يتضمن الأمر بالنحر رمزياً للتضحية والإيثار بروابط المجتمع المسلم الواحد القائم على الأخلاق الإيجابية والقيم الإنسانية المشتركة كأسرة واحدة كبيرة تحت ظل الدين الحق. أخيرا وليس آخرا، تضمن رد ديناميكي مؤرق لكل خصوم المؤمنين حين ذاك الذين حاولوا الاستهانة بالنبلاء البشرية للإمام الأكبر والخاتم للأنبياء، حيث تأتي نهاية المعنى بشعار ديني واضح يحذر ويعلن بصراحة أن بغضاء هؤلاء البسطاء سيكون مصيره النهائي هو الغياب التام: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}.
قد يناقش البعض بشأن وجود أحاديث خاصة تسند أحكام جزئية متعلقة بفوائد حسية مرتبطة بالتطبيق الظرفي لقراءة تلك البركة القصيرة خلال أدعية محددة أثناء الصيام مثلاً. بينما نجد تصريحا عاما يشيد بالأجر الكبير لجميع صفحات الكتاب المنزل من لدنه عزوجل بما فيها هذه التحفة الصغيرة المستوحاة من جمال الطبيعة وإيجاز اللغة والعمق الدلالي المترابط لأحداث عالم البشر والسماوات والجنان .