لقد ترك الشيخ أبو جعفر الطحاوي لنا ثمرة علمه الغزيرة عبر "العقيدة الطحاوية"، وهي مرشد إيماني نفيس يعكس اعتقاد أهل السنة والجماعة في مختلف جوانب الدين. ومع كون هذه العقيدة ذات أهمية كبيرة لدى طلبة العلم والعلماء منذ زمن طويل، فقد رأى العديد ممن بعده ضرورة توضيح بعض المسائل والتوسع فيها لتوضيح فهم القرّاء لها بشكل أدق. ومن بين هؤلاء المفكرين الذين قام بهذا العمل الرائد، يأتي الإمام علي بن أبي العز الحنفي بفهمه الخاص لهذه النصوص، والذي أصبح مرجعا رئيسياً لفهم العقيدة الطحاوية بناءً على منظور أهل السنة والجماعة.
ولد الإمام علي بن أبي العز الحنفي عام 731 هجرية في مدينة دمشق، وهو ينحدر من سلالة معروفة بممارساتها الفقهية والحنفية التقليدية. فقد نشأ وسط أجواء غنية بالمعرفة الدينية، تحت رعاية أبيه الذي كان قاضيًا وإمامًا مشهورًا. وعلى الرغم من انتماءاته الأصلية للحركة الحنفية، إلّا أنه تقاسم نفس الرؤية الأصولية لأهل السنة مع مؤلف العقيدة الطحاوية نفسها. وهذا الاتفاق يظهر بشكل واضح في تفسيره المفصل للعقيدة.
يتمحور شرح ابن أبي العز حول تقديم رؤية واضحة لكل جانب من جوانب العقائد الرئيسية مثل التوحيد، القدر، الأسماء والصفات الربانية، البعث والنشور، الرسالة، الثواب والعقاب والنبوة، وغيرها مما ورد ذكره في العقيدة الطحاوية. إن عمل ابن أبي العز ليس مجرد إعادة إنتاج للشرح بقدر ما أنه تعليق عميق وغني بتأملاته الخاصة وآرائه المنطقية بشأن مسائل الخلاف. بالإضافة لذلك، فهو يعمل كنقطة مقابل لكثير من التفسيرات الأخرى الأكثر قبولاً للأفكار المتعارضة والتي كانت تشيع آنذاك ضمن مدارس الفكر المختلفة داخل المجتمع الإسلامي.
على وجه التحديد، بينما تناول آخرون تفاصيل مشابهة ولكن ربما بطريقة أكثر انفتاحاً على تأثير مدرسة الكلام، اختار ابن أبي العز طريقاً مختصراً باتجاه نهجٍ متمسك بالسلفية والسنة المجردة دون الانزعاج المفرط بالتقلصات النظرية النظرية الحديثة حين ذاك. وبالتالي، فإن جهوده تعد استعادة نادرة وفريدة للتراث السلفي القديم للقراء الجدد الراغبين بالحفاظ على نقاء العقيدة الإسلامية نظير تقديس القرآن والأحاديث فقط باعتبارهما المصدر الأساسي للأحكام الشرعية.
هذه الدراسة الاستقصائية للاستشهادات التعبدية لن تكتسب فقط قيمة نظرية نظرًا لطابعها التاريخي والشخصي فحسب بل ستوفر أيضًا فهم جديد ومتجدد لما يشكل أساس الحياة الاجتماعية للدين عند معظم المسلمين اليوم وكيف تم تنميته وتحسينه عبر قرون بواسطة مفكرين بارزين مثل ابن أبي العز الحنفي نفسه!