يعدّ القرآن الكريم مصدراً ثرياً للأمثلة البلاغية التي تعكس مهارة بلاغية فريدة ومتميزة. من بين هذه الأنماط البلاغية نجد "المحكم" و"المتشابه". أما المحكم فهو الآيات الواضحة المعنى والمعلومة الدلالة، والتي توضح الحكم الشرعية والقيم الأخلاقية بجلاءٍ واضح. بينما المتشابه هي تلك الآيات غير الظاهرة المعنى وظاهرة الرمزية والمجازية، والتي تحتاج إلى تأويل وتفسير لفهم مضامينها العميقة. هذا الفصل يسلط الضوء على بعض الأمثلة البارزة لكل من هاتين الفئتين من الآيات لتوضيح جمال وروعة بناء اللغة القرآني.
أمثلة على الآيات المحكمة:
- يقول الله تعالى في سورة النساء (4:1): "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا." هذه الآية مثال رائد للآيات المحكمة؛ فهي تبشر بدقة وحسم حول أهمية التقوى والإقرار بالقدرة الإلهية في خلق الإنسان والتذكير بحتمية الحساب يوم القيامة. الوضوح هنا لا يحتاج للتأويل ولا يدع مجالاً للشك فيما تريد الآية قوله.
- وفي سورة الأنعام (6:89) تقول الآية: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم." توضح هذه الآية بشكل قاطع مبدأ المغفرة الربانية والثقة بإرادة الله في قبول التائب والعفو عنه بغض النظر عما اقترفه من ذنوب. الجدل العقائدي هنا محصور للغاية بسبب بساطة الرسالة الواضحة لهذه الآيات.
أمثلة على الآيات المشابهة:
- يأتي المثال الشهير من سورة فصلت (41:37): "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴿37﴾". رغم وضوح معناها المقاصد الأساسية مثل مكافأة المؤمنين وعددهم بالأرض الخلد، إلا أنها تحمل أيضاً رمزيات دلالات عميقة تنفتح أمام التفاسير الشريفة والمفصلات التاريخية والنصوص الأخرى المرتبطة بها.
- وأحد أشهر أمثلة المتشابهات موجودة في سورة الإسراء (17:85): "وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ". بينما تشدد هذه الآية بصراحة على حقيقة القدر الإلهي بشأن الإيمان وأن الأمر خارج سيطرة البشر، فإنها أيضًا تستحق دراسة مستفيضة عند استكشاف طبيعة الرجم وكيف تتصل برفض التعاليم الإلهية ونظام الكون العام.
إن فهم الاختلافات بين هذين النوعين من الآيات يساهم بشكل كبير في تقدير النظم العلمي لاستخدام اللغة القرآنية واستيعاب العمق الغني للعظمة الإبداعية للإعجاز القرآني.