الهجر في الإسلام له معانٍ متعددة، منها الهجر الشرعي الذي يهدف إلى ترك المنكرات والبدع، ومنها الهجر على وجه التأديب والعقوبة، وهو هجر أهل المعاصي والمنكرات والمخالفات. الهجر الشرعي نوعان: الأول بمعنى الترك للمنكرات، والثاني هو الهجر لأهل المعاصي تأديبا لهم.
الهجر الشرعي الأول، وهو ترك المنكرات، يأتي في سياق قوله تعالى: "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ" (الأنعام: 68). هذا النوع من الهجر يهدف إلى زجر المهجور وتأديبه، ويفترض أن يكون الهجر راجح المصلحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته.
أما الهجر على وجه التأديب والعقوبة، فهو هجر أهل المعاصي والمنكرات والمخالفات، وهو بمنزلة التعزير. هذا النوع من الهجر يكون عندما يظهر الإنسان المكلف معصيته أو عرف بها وأصر عليها، سواء أكانت هذه المعصية فعلية أم قولية أم اعتقادية. في هذه الحالة، من السنة هجره، فالهاجر يثاب عليه؛ لأنه من أجل الله تعالى.
ومن المهم التمييز بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحظ النفس. الأول مأمور به، والثاني منهي عنه. ولو تجاوز الهجر ثلاثة أيام، كان قطعا لحقوق الأخوة. كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث".
وفي الختام، يجب أن نلاحظ أن الهجر المحرم هو الذي يقصد به قطيعة الأخوة والإعراض عن السلام عند اللقاء. أما ما لو كان المرء في بلدة وأخوه في أخرى لا يلتقيان بسبب البعد، فلا يدخل ذلك في الهجر، ولا يأثم بعدم الاجتماع وإن مرت أعوام كثيرة.