يشهد العالم تحولا ديمغرافيا كبيرا يتمثل في انتقال كبير للسكان من المناطق الريفية إلى المدن. هذه الظاهرة، التي تعرف بالهجرة الداخلية، لها جذور متعددة تعود إلى مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. سنستعرض هنا أبرز تلك العوامل وكيف تساهم في تشكيل النمط الحالي للهجرة من الأرياف إلى الحواضر.
- الفرص الاقتصادية: يعتبر البحث عن فرص اقتصادية أفضل أحد أهم المحركات الرئيسية لهذه الهجرة. في العديد من البلدان النامية، غالبا ما تقدم المدن فرص عمل أكثر مما توفره القرى والأرياف. مع عدم وجود تنمية زراعية قوية في المناطق الريفية، يلجأ الشباب بشكل خاص إلى المدن بحثا عن وظائف مستقرة ودخل أعلى. هذا التحول يسعى أيضا لتوفير مستقبل أبسط وأكثر استقرارا للأسر النازحة.
- التعليم والتدريب المهني: تعتبر البنية التحتية للتعليم المتقدم أقل توافراً بكثير في المناطق الريفية مقارنة بالحواضر. وهذا يعني أنه عندما يصل الأطفال والشباب إلى مرحلة التعليم الثانوي أو الجامعي، قد يشعرون بأن عليهم الانتقال للمدن للحصول على نوعية جيدة من التعليم. بالإضافة لذلك، هناك حاجة دائمة للتدريب المهني المستمر الذي يمكن الوصول إليه عادة داخل مراكز حضرية كبيرة.
- الخدمات الصحية والمرافق العامة: ترتبط الجودة العامة للخدمات الطبية وغيرها من المرافق مثل الكهرباء والصرف الصحي ارتباط وثيق بموقع السكن. في كثير من الأحوال تكون خدمات الصحة والرعاية الاجتماعية غير كافية أو غير متاحة تماماً في الأرياف مما يدفع الناس للانتقال للعيش بالقرب منها والحصول عليها بسلاسة وسهولة أكبر.
- الثقافة والتواصل الاجتماعي: رغم كون المجتمع الريفي له جاذبيته الخاصة وتراثه الثقافي الغني، إلا أنه قد ينظر البعض إليها كمكان محدود التواصل الاجتماعي وغائب عن الحياة الحديثة سريعة الوتيرة والتي تتسم بها المدن الأكبر حجماً. كما يؤدي انتشار وسائل الإعلام والإعلانات عبر الإنترنت إلى زيادة الرغبة لدى الأفراد الذين يعيشون خارج نطاق المدن لدمج نفسهم ضمن ثقافة واسعة ومحفزة ومتنوعة.
- السياسة والقوانين الحكومية: تلعب السياسات الحكومية دوراً هائلاً أيضاً في تحديد اتجاه حركة السكان بين البلدات الصغيرة والكبيرة. فعلى سبيل المثال، إن تقديم حوافز ضريبية أم برنامج إعادة تأهيل اجتماعي للشباب الراغبين في العودة للإقامة بهذه المجتمعات يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً ويغير المسار التقليدي للهجرة الداخليّة.
هذه بعض العوامل الأكثر شيوعا المؤثرة في توجه الناس نحو المغادرة من البيئات الزراعية باتجاه بيئة حضارية جديدة مليئة بالتحديات ولكنها تحمل أيضاً آمالا وطموحات متجددة. كل عامل وحده يحمل قصة مكوناته الفرديّة ولكنه مجتمعياً يصنع صورة كاملة لما يسميه الكثير "رحلة العمر".