تعد رواية "الص والكلاب" لنجيب محفوظ أحد أهم الأعمال الأدبية العربية التي تستعرض بدقة شديدة الأحداث والتفاعلات المعقدة بين الشخصيات المختلفة، والتي تشكل معاً قوى مؤثرة رئيسية تساهم في تشكيل وتطور الحبكة الروائية بشكل كبير. هذه الدراسة التحليلية ستركز على استكشاف دور القوى الفاعلة الرئيسية داخل العمل الأدبي وكيف أثرت تلك القوى على سير الحدث واتجاه الشخصية الرئيسة للرواية، بما يعزز فهم الجمهور العميق لهذه اللوحة الدرامية المتشابكة.
تبدأ رحلة الصعود والنزول للنفس البشرية عبر شخصية سعيد مهران، المحامي الشاب الذي يواجه مصيره البائس بعد اتهامه ظلماً بجريمة قتل خطأً يُدين بها أمام محكمة عاجزة ومجتمع فاسد. هنا نجد أولى القوى المضادة التي تكمن خلف هذا الظلم والإهانة المستمرة لسعيد؛ قوة القانون غير المنصف والمجتمع الخانع لعادات وثوابت قديمة لم تعد تتلاءم مع متطلبات الحياة المعاصرة. يسعى سعيد بكل ما لديه من إرادة وجرأة لاستعادة حريته وحقوقه المشروعة، ولكن سرعان ما ينقلب ضده المجتمع نفسه عندما يكشفون عنه زواجًا غير شرعي سابق مما يزيد الطين بلة ويعمق هويتهم النفسية تجاه شريعة غريبة على روحانية الإسلام الحقيقية.
ومن ثم يأتي دور القوة الثانية والتي تجسدها شخصيات أصدقاء سعيد القدماء الذين انجرفوا بعيداً عنه خلال فترة سجنه الطويلة بسبب اختلاف الطبقات الاجتماعية واختلاف مسارات حياتهم الخاصة. هؤلاء الأصدقاء يحاولون المساعدة لكن ظروفهم المالية والمعنوية تعيق قدرتهم على تقديم الدعم الكامل له أثناء مواجهة تحديات خارجة عن سيطرتهم تمامًا. وفي المقابل هناك أيضًا زوجته فاطمة المتمردة نوعا ما وتحارب للمحافظة عليه وعلى مكانته كرجل شريف رغم كل العقبات والصعوبات التي تواجههما سوياً. فهذه المرأة ليست مجرد صورة نمطية لأخرى مكتوفة اليدين بل هي جزء أساسي آخر من لعبة الحظ والنوايا الغادرة التي تمارس بحقهما.
أما بالنسبة للقوة الثالثة فهي تعبير واضح ومتنوع للحالة العامة للدولة المصرية تحت حكم الملك فاروق آنذاك والذي كان يتمتع بشعبية واسعة لدى البعض ولكنه مثير للاستياء والاستياء اللاذع لدي الآخرين مثل سيد أحمد النقراشي باشا السياسي المتحمس المناوئ لفكرة الحكم الإنجليزي ومعارضاته للهمم الوطنية الأخرى حول الاستقلال الشامل واستبداله باستقلالية شكلية مقلصة للغاية. وبالتالي فإن وجود فاروق والقوات البريطانية المهيمنة داخليا وخارجيا يشكل نوعا خاصّا من التأثير الخارجي والذي يؤثر أيضا بطريقة مباشرة وغير مباشرة ليس فقط علي حياة الأفراد وانما ايضا على مجريات الاحداث السياسية عامة.
وفي خضم تلك البلبلة الداخلية والخارجية نلاحظ كيف تنمو أسئلة أخلاقية وأخلاق اجتماعية نتيجة افتقاد الناس للأمان النفسي والجسدي. فعلى سبيل المثال يقوم أحد الأشخاص بتقديم عرض مغري لرخصة الزواج مقابل المال وهو الأمر الذي يقود باتجاه نقد عميق لقضايا الأخلاق والعلاقات الإنسانية وما إذا كانت يمكن تخفيف قيمتها إلى مجرد تبادل اقتصادي صرف أم أنها أكثر ارتباطا بروابط ذات طابع معنوي سام يحتكر الجمال والحب والحنان الحقيقي؟ ومن نفس السياق تطرح قضية أخرى وهي انتقال بعض الرجال الأكثر تأثيراً داخل المجتمع المصري نحو التفكير العلماني الواضح بإعلان عدم إيمانهم بالله عزوجل وانتقالهم لحياة أسلوب حياة علماني ظاهر لدرجة زيادة احتكاكات دينية واضحة بصورة ملحوظة منذ بداية القرن العشرين حتى ذلك الوقت بالتحديد!
بهذه المقدمة المكثفة نتطرق الآن لنقاط بارزة ضمن دراستنا لتلك القوى المؤثرة الثلاث داخل عمل نجيب محفوظ الرائع فنار مشاهير أدباء العالم الثالث وفقرأء تاريخ الثقافة العربية الحديثه.