على مدى العقود القليلة الأولى من القرن العشرين، قاد عالم النفس السويسري الشهير، جون بياجيه، رحلة استكشافية فريدة للبحث في كيفية تطوير الأطفال لفهم العالم من حولهم. كانت أعماله البحثية نموذجاً رائداً لبحث النمو المعرفي للأطفال وتعتبر حتى اليوم أحد الأعمدة الرئيسية في علم نفس الطفل.
في دراساته، ركز بياجيه بشكل كبير على مراحل النمو المختلفة التي يمر بها الأطفال وكيف تتطور قدراتهم الفكرية والمعرفية خلال هذه الفترات. لقد قسم نظرته إلى عملية التعلم إلى أربع مراحل رئيسية وهي: مرحلة الحسية الحركية (من الولادة وحتى سنتين تقريباً)، ومراحل ما قبل العمليات (بين الثانية والسادسة)، ومراحل العمليات الرسمية (السنوات الابتدائية وما بعدها).
خلال كل مرحلة، قدم بياجيه نظريات وأمثلة متعددة تثبت كيف يمكن للاختلافات العمرية المؤثرة تأثيراً كبيراً على الطريقة التي ينظر بها الأطفال للعالم ويستوعبون المعرفة الجديدة. مثلاً، في المرحلة الأولى، يعتمد الأطفال بشكل أساسي على التجارب الحسية والممارسات اليدوية لتكوين فهم لهم. ولكن بحلول المرحلة الثالثة، أصبحوا قادرين على التفكير المنطقي المجرد واستخدام الاستقراء والاستنباط لحل المشكلات.
بالإضافة لذلك، كان لدراسات بياجيه تأثير عميق على التعليم الحديث. أدت أفكاره حول أهمية الاستقلالية عند الأطفال في اكتساب المهارات المعرفية إلى دعم مفهوم "تعليم تفكير"، والذي يشجع الطلاب على حل المشكلات بأنفسهم بدلا من مجرد حفظ الحقائق. وبذلك غيرت أعمال بياجيه طريقة تعاملنا مع تعليم الأطفال وشكلت أساسا لمزيد من الأبحاث في مجالي علم النفس وعلم التعلم.
