ظهرت الحضارة الفينيقية في منطقة كنعان التاريخية، لتنتشر لاحقاً على طول سواحل بلاد الشام الغربية المطلة على البحر المتوسط بين سنتي 1550 و300 قبل الميلاد. هذه الحضارة، المعروفة بثرائها البحري والتجاري، قام سكانها بإقامة مدن رئيسية مثل صور وصيدا وبيبلوس، بالإضافة إلى المؤسسات الاستعمارية المهمة في مناطق مختلفة بما فيها شمال إفريقيا وجزيرة صقلية.

مدينة قرطاج، إحدى أهم الأعمال الإنجازية لهذه الحضارة، كانت منافسا شرسا للإمبراطورية الرومانية وكانت مراكز اقتصاديتها تتضمن قادِس بالأندلس اليوم. أما اسم "الفينيقيون"، فهو مشتق من الكلمة اليونانية "phoinikoi"، والتي تعني شعب الطحالب الحمراء الصغيرة المستخدمة لإنتاج الصبغات القرمزية الثمينة للأعمال النسيجية الملكية. هذا الأمر جعل منهم تجارا معروفين باسم "تجَّار اللون الأرجواني".

كما برز الفينيقيون أيضًا كمبتكرين لأحد أقدم الأبجديات العالمية والذي أصبح أساس معظم الحروف المكتوبة حاليًا حول العالم. طورت حضارات مثل صيدا وصور، وهما المدينتان الرئيسيتان للفنينيقيين، لغتهم وثقافتهم الخاصة حيث تأثروا وأثروا بدورهم على الشعوب الأخرى الذين كانوا يتعاملون معهم عبر تجارتهم. حتى أنه تم وصفهم بأنه "الوسطاء القديمين" نظراً لدورهم المحوري في تبادل الأفكار والثقافة بين مختلف الجهات الجغرافية.

كان للفينيقيين روابط تجارية ودينية طويلة الأمد مع مصر القديمة خلال عصر الأسرة الرابعة. رغم ذلك، تعرضت مجدهم للتضاؤل نتيجة التدخل السياسي والحروب المستمرة. فعلى سبيل المثال، وضعت آشور قبضتها عليها في وقت مبكر من القرن التاسع قبل الميلاد واستولت فارس ثم روديس فيما بعد على أراضيهم حتى توحد نظام الحكم الروماني القاري لها تحت حاكم واحد في سنة ٦٤قبل الميلاد . إلا أن ثلاث مدن بارزة -أرادوس وصيدا وصور- حافظت على بعض درجات الحريات الذاتية. بدأ النظام الحكومي ربما بمبدأ المملكة المنظم بالعائلة المالكة المؤثرة اجتماعياً واقتصادياً ضمن المدن الفينيقية المختلفة. ولم يكن هناك دليل واضح يشير إلى وجود دولة مركزية موحدة للحفاظ عليها باعتبارها كيانًا مترابطًا ومتماسكا باستمرار عبر القرون العديدة منذ نشوئها.