تعد جزيرة دلمون، الواقعة غرب الخليج العربي، شاهدة حية على واحدة من أكثر الحضارات شهرة وتأثيراً في التاريخ البحري للمنطقة. تعتبر هذه الجزيرة القديمة، التي تعد جزءاً من المملكة الحديثة للبحرين اليوم، مركزاً لعدد لا يحصى من الاكتشافات الأثرية المدهشة والتي تعكس نهضة حضارية فريدة ومزدهرة.
في العصور الهلينستية والبارثية والفارسية، كانت دلمون مركزاً تجارياً هاماً وعاصمة إقليمية لشبه الجزيرة العربية الجنوبية الغربية. تشير الآثار المكتشفة إلى وجود مجتمع مزدهر يتميز بالعمارة المتقدمة والصناعة البارزة. المباني الضخمة المصنوعة من الطوب اللبن، مثل القصر الشهير المسمى "بيت الهدير"، توضح مدى ازدهار وحسن إدارة هذا المجتمع القديم. كما ظهرت أدلة قوية على ثقافة بحرية متطورة، مما يعكس دورها الحيوي كبوابة رئيسية للتجارة بين الشرق والغرب عبر الخليج الفارسي.
بالإضافة إلى ذلك، ساعدتنا الأدلة الكتابية والحفرية في رسم صورة واضحة لحياة السكان المحليين. كانوا يمارسون الزراعة وصيد الأسماك والتجارة بشكل نشيط، وكان لديهم نظام حكم معقد يستند إلى أسرة ملكية مرموقة. وقد ساهم هذا النظام السياسي المستقر في خلق بيئة مواتية للشراكة التجارية الدولية والثقافية النابضة بالحياة.
أدت المواقع الدينية العديدة والمقابر الجماعية المعقدة المنظمة حول مدينة دل مون الرئيسية إلى تأكيد معتقداتها الروحية واحتفالاتها الدنيوية. ومن اللافت للإنتباه خاصةً، اكتشاف آثار للمعبد الكبير الخاص بإله المياه الوطني آنذاك، نمرود؛ وهو ما يدل على أهميته المركزية داخل العقائد الاجتماعية لهذه المدينة ذات يوم.
استمرت حضارة دل مون حتى نهاية القرن الثالث الميلادي تقريبًا عندما بدأ المناخ المناخي العالمي بالتغير وأصبحت التجارة أقل ربحا بسبب عوامل مختلفة تتعلق برحلات الشحن الأكثر خطرا وزيادة تكاليف العمالة ونقاط الوصول الجديدة الناجمة عن ظهور طرق بديلة لنقل البضائع خارج المنطقة التقليدية لدلمون. ومع ذلك، فإن الإرث الثقافي والإنساني لهذا البلد القديم ظل شامخًا ويُقدر حتّى وقتنا الحالي بعد مرور قرون طويلة منذ سقوط دولته الأولى مهديّة الرخام التي كانت تحت سيطرتهم حينذاك.
اليوم، رغم تبدّد حدود الدولة الموحدة للدولتين الأمريكيتين الشمالية والجنوبية واستقلال كل منهما لاحقا فأصبحت احدى أقاليمهما الخارجيين تسميتها حاليًا دولة البحرين الفدرالية الفتية، إلا أنه يمكن رؤية بعض قطع هذه التاريخ المجيدة المنتشرة هنا وهناك ضمن متحف قناة عسكر للأثار والذي يعد واحدٌ من أشهر مواقع التنقيبات الأثرية المعاصرة المساهِمه نحو إعادة بناء تاريخ منطقة دول الخليج العربيه والعالم القديم بجوانبه المختلفة خلال فترة الروم والسسانتيون وغيرهما .
