كان الفينيقيون أحد أكثر الشعوب تأثيراً في التاريخ القديم للعالم المتوسطي. نشأت هذه الحضارة النابضة بالحياة حول البحر الأبيض المتوسط خلال القرن الثاني عشر قبل الميلاد تقريباً، خاصةً في المناطق التي تشكل اليوم ليبيا وسوريا ولبنان وفلسطين. اسم "الفينيقي"، وهو مشتق من اليونانية ويعني التجار البحريين، يعكس دورهم القوي كقادة بحريين وتجاريين.
تعتبر مدينة صور اللبنانية واحدة من أول المدن الرئيسية للفينيقيين، لكن شعوب أخرى مثل سكان طرابلس وبنغازي ومجدو ووادي نهر العاصي انضمت أيضاً إلى هذا التحالف التجاري البحري الواسع. كان لدى الفينيقيين مهارات متقدمة للغاية في بناء السفن والتجارة البحرية، مما سمح لهم بتوسيع نطاق نفوذهم عبر جميع أنحاء حوض البحر المتوسط وأبعد حتى غرب أوروبا وجزيرة مايوركا.
بالإضافة إلى تجارتهم الناشطة، اشتهر الفينيقيون أيضًا بأنظمة كتابة مبتكرة واستخدامها للإبجديات المبكرة جداً التي اعتمدتها لاحقا العديد من الثقافات الأخرى بما فيها اللغة العربية. كما تركوا بصمة واضحة في الفن والبناء والعمران، حيث كانت مدنهم مزينة بمباني فخمة وآثار بارزة لا تزال موجودة حتى يومنا هذا.
على الرغم من عدم وجود دولة مركزية موحدة تحت حكم واحد للفينيقيين، إلا أنها شكلت شبكة ديناميكية ومترابطة من المستعمرات والحلفاء الذين تبادلوا الأفكار والثقافة والأعمال التجارية بشكل مستمر. وقد أدى ذلك إلى خلق بيئة ثقافية غنية متنوعة وكانت بمثابة قاعدة أساسية للعديد من الاختراعات والتقدم اللاحق في مجال التواصل العالمي الحديث.
في المجمل، يظل إرث الفينيقيين شاهدا قويا على قدراتهم الاستثنائية كمستكشفين للتجارة والشعراء للفن والثقافة، ويذكّرنا كيف أثرت حضارتهم الصغيرة نسبياً ولكن الطموحة بشدة على مساحة واسعة من العالم القديمة وحضرته التالية.
