في رحلة طويلة وممتدة عبر مسيرة الفكر الإنساني والفلسفي، برز مفهوم "الإنسان" كمركز اهتمام وحوار مستمر بين مختلف الحركات والمذاهب الفلسفية. هذا المفهوم الواسع والشامل يشير إلى جوهر الوجود البشري وتتجلى صورته في تعبيرات متعددة مثل الأخلاق والإدراك والمعرفة والقيمة الذاتية وغيرها الكثير.
من منظور فلسفة اليونان القديمة، كان الإنسان محور العالم حسب الفيلسوف طاليس، بينما اعتبر أفلاطون الروح البشرية مركزاً روحانياً أعلى من الجسد. وفي العصور الوسطى، ركزت الفلسفة المسيحية على دور الفرد داخل المجتمع الديني وأثره الروحي. أما عصر النهضة الأوروبي فقد شهد عودة القوة الشخصية مع التركيز على حق الأفراد في الحرية والتعبير عن ذاتهم بناءً على أعمال فلاسفة بارزين كالدنماركي نيكولاس كوبيرنيكوس.
مع دخول القرن الثامن عشر والعصر الأنوار، أصبح التفكير النقدي والكشف العلمي محركين رئيسيين لتطور فهم ما يجعل الإنسان بشراً. هنا ظهرت نظريات جديدة حول طبيعة النفس البشرية وعلاقة الإنسان بالكون والحقيقة المطلق. ومن أبرز الشخصيات التي أثرت بشكل كبير خلال هذه الحقبة هي جان جاك روسو وديفيد هيوم.
وفي العصر الحديث، استمرت المناقشات المعمقة حول ماهية الإنسان ومدى ارتباطه بالإله والمعنى الأعلى للحياة. وقد طرح كلٌّ من هايدجر وسارتر وجورج سورل رؤاهم الخاصة بشأن وجود الإنسان ومعناه داخلياً وخارجياً.
وبالتالي، يمكن القول بأن مفهوم الإنسان مر بمراحل متعددة وغنية بطابع الزمان والمكان والفكر الإنساني العام. فهو ليس فقط مجموعة من الأعضاء والأفعال اليومية ولكن أيضاً حالة روحية وفلسفية دائمة التحول والتجديد.