بدأت إمارة الأدارسة كحركة تصحيحية ضد حكم بني أمية في المغرب الأوسط خلال القرن الثامن الميلادي. أسسها إدريس بن عبد الله الأكبر، حفيد علي بن أبي طالب وأحد أشهر الصحابة، والذي لجأ إلى المنطقة الهجرائية هرباً من اضطهاد الأمويين له ولأسرته. وبذلك رسمت هذه الخطوة بداية لحقبة جديدة امتدت لأكثر من قرن ونصف من الزمان.
واستغرقت الإمارة تحت قيادة إدريس زمنياً بين عامي 788 و924 ميلادياً، وحظيت بتقدير كبير بسبب دورها المحوري في نشر الثقافة الإسلامية وتعزيز التعايش العرقي والديني المتنوع في المنطقة. وقد برز اسم مدينة فاس كموقع مركزي للإمارة، والتي أصبحت مركزاً ثقافياً وعلمياً ومعنوياً بارزاً يحظى باحترام واسع حتى اليوم.
وتتميز فترة الحكم الأدراتسي بالتسامح الديني والثقافي الكبير، مما ساهم بشكل فعال في تقبل السكان المحليين للثقافة والمعتقدات الجديدة. بالإضافة لذلك، شهدت الفترة نهضة علمية وفكرية ملحوظة بدعم مباشر من الحكام الأدارسة. تم تشييد المساجد والمدارس والمكتبات، وكانت العديد منها مراكز تعليم رائدة تجذب الباحثين والمفكرين من جميع أنحاء العالم الإسلامي آنذاك. ومن الشخصيات المؤثرة التي ظهرت خلال تلك الحقبة ابن خلدون الشهير، صاحب كتاب "المقدمة".
كما كانت لإدارة الأدارسة تأثير عميق على الفنون والحرف اليدوية التقليدية المغربية مثل النسيج الخزفي والأعمال المعدنية. تطورت الصناعة والنسيج وصقل حرفيو الأندلس مهاراتهم هنا لتنتشر فيما بعد عبر البحر المتوسط نحو أوروبا الغربية.
إن إنجازات دولة الأدارسة انعكست بشكل واضح على التاريخ الاجتماعي والثقافي للمغرب الحديث، حيث أثرت حضارتها وتراثها في تحديد طبيعة المجتمع المغربي الحالي والعلاقات الدولية للبلاد منذ نشوئها حتى يومنا هذا. إنها حقا قصة تستحق الاحترام والتقدير لكيفية بناء مجتمع متعدد الأعراق والإقامة لاستقرار سياسي مستدام وسط ظروف معقدة ومتغيرة باستمرار.