- صاحب المنشور: شوقي بن تاشفين
ملخص النقاش:
في عالم يتسم بالسرعة والتحولات المتزايدة، تواجه المجتمعات اليوم تحديًا معقدًا يتمثل في الحفاظ على هويتها الثقافية وسط تيارات العولمة. هذه الظاهرة التي غالبا ما تُعرف بأزمة الهوية ليست مجرد قضية نظريّة؛ فهي لها تأثيرات عميقة على الأفراد والمجتمعات بمختلف أشكالها. تتضمن هذه الأزمة مجموعة واسعة من القضايا مثل التأثير السلبي للثقافات الوافدة، الضغط للتوافق مع المعايير العالمية، وفقدان الأصالة المحلية.
في هذا السياق، يمكننا تقسيم نقاشنا إلى عدة جوانب رئيسية:
الجوانب الإيجابية للعولمة: الفرصة للازدهار الفكري والثقافي
على الجانب الآخر، تقدم العولمة فرصاً تعليمية وثقافية هائلة. الإنترنت، كأداة فعّالة، يوفر الوصول إلى كم هائل من المعلومات والمعرفة مما يعزز الوعي والفهم الذاتي للأمم والشعوب. بالإضافة إلى ذلك، يسمح التواصل العالمي بوسائل الإعلام الحديثة وأنظمة الاتصال بتبادل أفضل للممارسات والمعارف بين الأمم المختلفة - وهو ما قد يؤدي إلى نهضة فكرية جديدة وتجديد ثقافي غير مسبوقين.
التحديات أمام الحفاظ على الهوية الوطنية: الصراع بين التقليدي والعالمي
ومع ذلك، فإن هذه المكاسب المحتملة تأتي مصاحبة لتحديات كبيرة. أحد أهم تلك التحديات يكمن في مواجهة الفروقات الثقافية والجغرافية التي تخلف جواً من عدم الثبات وعدم اليقين بشأن الهوية الذاتية لأطياف اجتماعية مختلفة داخل نفس الدولة أو حتى ضمن عائلة واحدة. إن ظهور قيم ونمط حياة جديد قد يشكل خطر فقدان جذور تاريخية وروحية راسخة منذ قرون مضت لدى الشعوب الأصلية لهذه الأرض. علاوة على ذلك، فإن التحول نحو اقتصاد السوق الحر وعالم الأعمال الرقمية يقود البعض نحو تسويق هويتهم بغرض الربح التجاري أكثر منه احتفاء بالحياة الروحية والأخلاقية الراسخة لديهم.
الاستراتيجيات المقترحة للحفاظ على التوازن بين الحداثة والحفاظ على الهوية
لحماية واستدامة هويتنا الوطنية والمحلية ضد تدفق المطابقات الخارجية المتنوعة، هناك حاجتان أساسيتان يجب العمل عليهما: الأولى هي التعليم والاستيعاب الناقد للمعارف الجديدة، حيث يجب فهم محتوى كل رسالة واردة وتقييم مدى تأثيرها قبل قبولها أو رفضها بناءً على رؤية ذاتية واضحة وشاملة لما نتمسك به وما نوافق عليه وما نتخل عنه لصالح تطوير مجتمع مستقر ومتماسك وقادر على المنافسة العالميّة بطريقة تحفظ حقوق الجميع وتعزز رفاههم المشترك سواء كانوا أفراداً أم مجموعات صغيرة أم كيانات وطنية أكبر بكثير. أما الثانية فتكمُنُ في دعم البرامج الحكومية والدينية وغيرها عبر الوسائط الاجتماعية المؤثرة والتي تضبط نمو تلك التعاليم والثوابت المستهدفة بحمايتها وتحقيق استمرارية وجودها وجاذبيتها الشبابية خاصة خلال مرحلة الانتقال هذه نحو عصر رقمي متسارع الخطى وتغييره الدائم لموازين قدرتنا باستقبال معرفته وإدراك مفرداته الغامضة لبعض الناس حتى الآن!
إن تشكيل سياسات عامة مناسبة بهذا الشأن سيكون له دور كبير لمساعدة المواطنين المختلفين دينياً ومذهبياً وطائفياً واقتصادياً واجتماعياً وغيرها الكثير باحساس مشترك بأنهم جزءٌ واحد وإن اختلفت مشاربهم وبالتالي سيصبح من الطبيعي مقارنة الانغماس الزائد بالأفكار الأخرى حال كون مجتمعه الأساسي يستعرض نفسه بقوة ويفرض حضوره دون محاولات افترائية ظالمة تجاه طوائفه المختلفة داخله. وفي النهاية فإن تحقيق حالة انسجام حقيقي بين عناصر جوهر شعب أي دولة أمر ضروري للغاية لحماية المكتسبات التاريخية والقيمة الموجودة لديه ومن ثم توسيع آفاق تقدمه نحو مزيدٍ من العلمانية المثمرة وانفتاحاتها