بينما يدور التاريخ حول سرد الأحداث الماضية، فإن تعريفه وفهمه يظهران اختلافًا ملحوظًا لدى مختلف المدارس الفلسفية. لكل عالم تاريخ وجهة نظر فريدة حول ماهية التاريخ وكيف يمكن استخلاصه وتحليله. يتناول هذا المقال وجهات نظر بارزة لأبرز الفلاسفة الذين شكلوا تصورات متباينة للتاريخ.
يؤكد ماكس فيبر، المفكر الألماني، على الطبيعة الغنية والمجزأة للأحداث التاريخية. فهو يشير إلى صعوبة جمع كل جوانب الماضي وتحديد العلاقات السببية بين الأحداث بشكل قطعي، وهو الأمر الذي يفرض حدودًا أساسية على طبيعة المعرفة التاريخية. علاوة على ذلك، يلعب الجانب العقائدي دوراً محورياً في نظرة فيبر لتأويل التاريخ، إذ يغذي اختيار المؤرخ للأسباب والتفسيرات بنيته الذاتية ورؤيته الشخصية للحوادث. وبالتالي، يخضع فهم التاريخ لمنظورات فردية تحدد نتائج البحث التاريخي النهائية.
ومن المنظور الإسلامي، يعدُّ Ibn Khaldun مؤسس علم الاجتماع والتاريخ الحديث. يوضح لنا أنه ليس فقط تسجيل للحقبات الماضية، ولكن أيضاً عملية تحليلية تأملية بهدف اكتشاف الدوافع الحقيقية خلف الأفعال البشرية أثناء الفترات القديمة. وينصح بأن يتبع المؤرخ نظاماً منهجياً ملتزمًا بصرامة بالأطر الاجتماعية والاقتصادية والثقافية السائدة آنذاك. وهذا النهج يساعد على تجنب الانحراف نحو وهم الخيال وإضفاء مصداقية أعلى للنقل الشفهي والوثائق المكتوبة المبكرة.
ويركز رايموند آرن على قضيتي الزمان والمسافة الثقافية كتحديين رئيسيين أمام تحقيق فهْم شامل للتراث القديم. فاللحظة الحالية يمكن إدراكها مباشرة بينما تبدو المقاصد الضمنية للإنجازات الزائلة غامضة غالبًا. نتيجة لذلك، تقتصر رؤية التاريخ التقليدية -المعنونة بالسرد المحض والاستشهاد بحكايات شهود عيان- على تقديم صور مجتزأة ومعيبة للدولة المجتمعية للعهود الطوالابسة. بالإضافة لذلك، يدخل التحيزات الشخصية للمحللين إلى العملية التحليلية مما يتسبب بإدخال انحرافات عن الموضوع بدلاً من ضمان صدقية الحقائق المطروحة.
يستند توضيح بول ريكور لبنية العلم التاريخي إلى عدة افتراضات جوهرية تدعم مساعي صنع الأفكار الجديدة بناء على مواد خام خاملة سابقاً. فعلى خلاف العلوم التجريبية الأخرى ذات القوانين الثابتة والمعايير الجاهزة للاستخدام العام، تعتمد الدراسة التأريخية على نهج مرن ومتعدد الاستخدامات يسمح بالمراقبة المستمرة والفحص الضابط للشرائط والأوصاف المصدرية الموجودة طيلة رحلة البحث المتأنية. ويتضمن كذلك مراجعات منتظمة ومنهجية لحالات الفرضية مقابل الأدلة المتحصلة حديثًا لإعادة هيكلة التصورات العامة بالحسبان جديد الآثار الناجمة عنها.
وبالنسبة للفيلسوف الألماني الشهيرة هيغل، فهو يقسم مسار حيات الإنسان إلى خط مستقيم باتجاه هدف نهائي واحد محفورة داخل نفوس أهل الأرض جميعاً منذ بدء خلقهم واستمرار وجودهم حتى وقت ظهور المسيحية المنتظر والذي سيرمز لذكراه نهاية العالم وطبع بداية عصر جديد كليا خلا تماما مالذي سبقه بلا رجعة ولا رجوع إليه أبداً! إنها رؤيته الإيجابية لعصمة الجماعة الأوروبانية باعتبارها حاملة المشعل ودالة رمزيًا لقيمة تحقيق الأحلام الجمعية للجنوبيون عبر قرون طويلة مضت وكذلك دورها الحالي وحضورها المستقبلي ضمن السياق العالمي الأكبر بكثير بما فيها مشاريع أخرى مشابهة مشابهة لها نوعيًا وإن اختلف المكان وزادت المساحة قليلاً!
وفي المقابل، يكشف لنا جان بيير سارتر بورتر عن جانب آخر من جوانب المخاطر المرتبطة بفهم الحالة الإنسانية حين نقوم باستنتاج أنها تخضع لقاعدة واحدة قابلة للتطبيق بشكل إلزامي بغض النظر عن مدى الاختلاف الظاهر بين شعب وشعب وأجيال واجيال .وهناك خطر آخر مخفي أكثر سرعة وانتشارا نتيجة لعدم قدرته علي الانتباه اليـه إلا نادراً للغاية : إنه احتمال اعتقاد البعض بان هناك طريق واحده صحيح وحدها والتي تمهد الطريق نحو مستقبل افضل وقد تستنزف جل جهوده في سبيل الوصول إليها مهما كان الأمر سيئا حاليا وما دام لدي ثقة مطلقة بأنه الحل الوحيد المناسب لحاله الامبراطوريات وان كانت مزيفة والشعوب وأن كانوا عبيدا تابعين ! وهذا النوع من التفكير يولد لدينا شعورا سطحيا بالإحساس بالقضاء والقدر مما يؤدي لصرف تركيزنا بعيدا عن مواجهة واقعية لما يجري الآن ، بل بل ويجعلهم أقل اهتماما بمناقشة البدائل وارفاق علامات استفهام حول ضرورتها وغرضيتها أيضا !.