الأندلس - اسمٌ روحانيٌ يحمل بين طياته قصصَ عزٍ وإبداعٍ، وجسور الحوار والتسامح بين شعوب مختلفة. تُعرَف هذه الأرض الغنية بتاريخها والثقافة المتنوعة في شبه جزيرة إيبيريا الحالية، بإسبانيا والبرتغال. يعود اكتشاف الأندلس كمنطقة تحت الحكم الإسلامي إلى العام 711 ميلاديًا، عندما أصبح جزءًا من الامبراطورية الأموية، لتشهد فيما بعد نموًّا مستمرًّا يصمد أمام تحديات الزمن والمعارك المستمرة مع ممالك شمال غرب القارة الأوروبية.
في ذروتها، ظهرت حضارة الأندلس بصفتها واحة علم وثقافة نابضة بالحياة منذ نهاية القرن الثامن الميلادي وحتى سقوط غرناطة الأخير سنة ١٤٩٢ ميلادية. شهد نظام الحكم بتعدداته عبر القرون تحولات عديدة بدءًا من سيادة الحكومة المركزية بمقرها بالعاصمة دمشق ثم انتقالها لبغداد قبل أن تنقسم لاحقًا لشكل مماثل لدول الاتحاد الفدرالي الحالي ضمن نطاق هامشي محدود الحدود إذ تضمنت مناطق مثل "أندلوسيا"، "البورتغال" و"غاليسايا". بينما قسمت هذه المنطقة الواسعة سياسياً لجملة إمارات صغيرة تدعى "الطوائف".
احتلت مدينة قرشونة مكان الريادة كمملكة رئيسية للأندلس لمدة تسعين عاما برئاسة عبد الرحمن الداخل المعروف أيضا بحكمته وكفاءته الإدارية أثناء عصر النهضة العلميه لهذه البلاد الفتية آنذاك. وقد اشتهرت تلك الحقبة بغزارة الانتاج الأدبي والفني والطبي والذي ترك أثره البالغ التأثير ليس فقط داخل المجتمع المحلي وإنما أيضًا خارجيًا بما فى ذلك الدول العربية الأخرى ومختلف البلدان الأوروببية عامة . فعلى سبيل المثال ، انتشر استخدام نظريات رياضية مبتكرة للعالم الفلكي الشهير ابن رشد واستخدام التحليل الرياضي لأعمال الجبر الرائدة لأبو بكر الرازي وكذلك مشاركة الطب الحديث لعالم الجراحة ابو القاسم الزهراوي وغيرها كثير.. كما سهلت حكومتهم حصول غير المسلمين المقيمين بالأندلس على حرية دينهم ودينه مناسب لهم وفق قوانين خاصة بهم وذلك من منطلق الدعوة للإصلاح الاجتماعي جنباً إلي جنبمع تطبيق التشريع الاسلامي كأساس قانوني للحكم سواء تعلق الأمر بالقضايا الشرعية العامة أو النزاعات الخاصة.
ومع مرور العقود والأجيال الأخيرة للاحتلال الاسباني المحاولات السابقة للاستعمار النصرانية المتراكمة وصلت أخيرا لنقطة اللاعودة بالإزالة الكاملة للنظام الاستعماري المؤقت حيث هزم الجيش المغربي الموحد جيش المسلمين الأندلسيين بزعامة السلطان محمد الثالث عشرابن الأحمر عشرون ألف مقاتل ضد ستمائة وخمسمائة فارس حصريا بسبب عدم قدرتهم الدفاع المشترك أمام الهجوم المدروس جيدا وانتشار المرض كذلك وضعف الروح المعنوية المنتشرة وسط صفوف الجنود نتيجة لانتشار حالة الضغط النفسى والاستسلام المبكر الذى خلفه تأثير الاحتلال الدائم عليهم ظاهراً وباطناً. وانتهى بذلك حقبة طويلة مليئة بالتغيرات الاجتماعية والحروب والصراع النفسي دون نوايا واضحه نحو الاستقلال السياسي الحقيقي....وفي يوم يناير ١٤٩۲م تخلى الأمير عبد الله الأخيرعن سلطانه لصالح الباباوات اللاتينيون وهكذا اختتم عمر دولة الأندلس الذي بلغ881 عاماً .