كانت الحضارة الإسلامية نتاج تنسيق دقيق بين الجوانب الدينية والأخلاقيّة والعلميّة وال humانیة، مما جعل منها فريدة ومتفردة بين الحضارات الأخرى. يمكن تتبع أهم العوامل التي أدت إلى ظهور ونشوء هذه الحضارة الرائعة فيما يلي:
الأولى، التركيز على التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى والذي يعتبر جوهر العقيدة الإسلامية. لقد شكل هذا النمط الفريد للتوجه روحية عمود الفقرة للحياة الاجتماعية والثقافية للدولة الإسلامية الجديدة آنذاك. من أمثلة ذلك تصميم المساجد بدون صور ابتدائية - وهو أمر غريب نسبياً مقارنة بالممارسات الثقافية لكثير من المجتمعات القديمة وكذلك الامتناع عن بناء المعابد على الأضرحة واحتفاء الأنبياء حسب السنة النبوية المحمدية.
الثاني، التأكيد الواضح على القيم الأخلاقية التي تعد أساساً أساسياً آخر يشكل شخصية الدولة والمجتمع الإسلامي. إن دور "الحسبة"، وهي منظمة حكومية مسؤولة عن ضمان العدالة الاقتصادية في سوق التجارة، يعد مثالاً بارزاً لهذه السياسة.
أما الثالث فهو التشديد الكبير على التعليم والمعرفة. فتح الخطاب القرآني بالقول "اقرأ باسم ربك الذي خلق" يؤكد على مكانة العلم والفكر في المنظور الديني الإسلامي. وفي واقع الأمر، عرفت الفترة الزاهية للإسلام تقدم هائلاً في مجالات علم الفلك والطب والكيمياء وغيرها الكثير تحت ظل حكم دولة الخلافة الراشديّة والإمام علي بن أبي طالب الكرمي.
وأخيراً وليس آخيراً، فإن فصل الدولة والدين ليس ظاهرة معروفة ضمن السرد التاريخي لحركة الفتح الإسلامي. إذ تؤكد العديد من النصوص التاريخية والتراث الفكري الإسلامي على ترابطهما الوثيق وعدم قابليتهم للفصام؛ حيث اعتبر الرسالة الإلهية ضرورية لتوجيه السياسات العامة والحكم الرشيد وفقاً لمبادئ العدل والإنصاف الجامعية. وبالتالي، نرى كيف أثّر تعزيز النظام السياسي المستند للأمر الرباني بالإيجاب على مدى نجاح الحضارة الإسلامية وانتشارها عبر العالم القديم.
وقد تجلى كون الإسلام ديناً شاملاً وحضوراً دولياً واسعين -كما ذكر سابقاً- بالحراك الهائل الذي شهدته مراكز ثقافة وعلم كالدار الحكيمة بمصر وبيت الحكم ببغداد وما بعدهما من مؤسسات تعليم عالٍ أكاديمي وعلماني تهدف لنشر دعائم الدين الحق بينما تستقبل طلبة التعلم ممن ينتمون لأصول عرقيّة وثقافيّة مختلفة باختصار شديد. وهكذا نجد الطريق واضح نحو فهم طبيعة قوة ونجاعة تلك اللحظة تاريخية مذهلة بإعتبارها مرحلة ذروة الإنسانية والتقارب الروحي البشري المتواصل حتى اليوم الحالي رغم مرور عقود طويلة!