ولدت الملكة حتشبسوت، المعروفة أيضًا باسم "غنمت أمون"، حوالي العام 1507 قبل الميلاد، لتكون البنت الأكبر لحاكم مصر تحوتمس الأول وزوجته وأخت زوجته، الملكة أحمس. تُعتبر واحدة من أكثر الشخصيات تألقاً في التاريخ الفرعوني، حيث ترقى موقعها في هرم السلطة ليصل إلى عرش المملكة خلال عهد الأسرة الثامنة عشرة.
درست حتشبسوت منذ سن مبكرة مجموعة متنوعة من المواضيع تتضمن الرياضيات والفلسفة والقانون والدين والأخلاق. هذه التعليمات المكثفة ساعدتها لاحقا بإدارتها للدولة بحكمة واتزان. رغم أنها واجهت بعض العقبات المؤسسية كونه امرأة تدير البلاد في مجتمع ذكوري تقليدياً، إلا أنها أثبتت قدرتها على القيادة والحكم بخبرة عالية.
بعد زواجها بتحتمس الثاني -وهو أخوها غير الأشقاء- تولت حتشبسوت إدارة البلاد بصورة فعالة جداً. حين مات زوجها بعد عدة سنوات، خلفه ابنهما الصغير وتحتمس الثالث؛ مما جعلها تلعب دوراً محورياً في توجيه مجريات الأمور السياسية داخل المحكمة وفعل ذلك بطريقة هادئة ومتوازنة نسبيًا بالنسبة للأوضاع العصيبة آنذاك.
وفي فترة حكمها الطويلة نسبياً التي دامت نحو ٢٠ عاما تقريبًا (حوالي ١٤٧٩ – ١٤٥٨ قبل الميلاد)، حققت حتشبسوت إنجازات كبيرة رسمت صورة مشرفة لعهد ملكي مزدهر. تميز عهدها بتقدم اقتصادي ملحوظ وتعزيز التجارة الخارجية عبر توسيع شبكات الاتصال التجارية وصلب العلاقات الدولية بدفع رسائل سلام وإرساء هدوء سياسي محلي. وفي الداخل المصري، تركّزت جهودها على إعادة بناء البنية التحتية الرئيسية بما يشمل نظام الري والموانئ والمرافق العامة الأخرى. ولقد برز دورها الكبير أيضاً فيما يتعلق بالأعمال الدينية والإصلاحات الثقافية المحافظة على تراث مصر القديمة الغني.
كما دعم مشروع بنائي مهيب حمل اسم "معبد ديرا" والذي يعد رمزًا رائعًا لبراعة فناني وحرفيي عصرها الذين عملوا تحت إشراف مباشر منها شخصيًا. ولا تزال آثار هذا العمل الرائع قائمة حتى اليوم شاهدة على عبقريتها وكفاءتها كمصممة معماريّة بارعة وصاحبة رؤيا مستقبلية ثاقبة. إضافة لأعمال أخرى عديدة تشمل فتح طرق تجارية جديدة وإنشاء سفن بحرية عملاقة لنقل الأحمال والثمار والعناصر الطبيعية المستوردة، جميع هذه الحملات تبشر بحقبة ذهبية شهد فيها الشعب المصري رخاءً مميزًا لم يشهد له مثيل قبل تلك الفترة الزمنية. وبذلك صنفت ضمن صفوف نخبة عظماء فراعنة تاريخ بلدهم المجيد!