تُعد نظرية النظم واحدة من أهم النظريات البلاغية في التراث العربي، والتي أسس لها الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتابه "دلائل الإعجاز". ترتكز هذه النظرية على مفهوم النظم باعتباره أساسًا لصور البيان، حيث يرى الجرجاني أن النظم هو توخّي معاني النحو وفقًا للأغراض التي يُصاغ منها الكلام. وبالتالي، فإن النظم لا يقتصر على تتابع النطق بالألفاظ، بل يتعلق بتناسق دلالات الألفاظ وتلاقي معانيها على الوجه الذي يقتضيه العقل.
يرى الجرجاني أن سبب إعجاز القرآن الكريم هو حسن النظم، وليس في الألفاظ أو المفردات أو المعاني. فالنظم لا يهتم بمعاني الكلمات المفردة إذا لم تنتظم في سياق تركيبي مُعيّن. ويرى أن الدلالة المعجمية معروفة لدى معظم أهل اللغة، ولكن مستخدم اللغة يسعى إلى دلالة اللفظ التي تكتسبها خلال نظمها وفقًا لسياق تركيب العبارات.
تتكون نظرية النظم من أربعة أركان رئيسية:
- التقديم والتأخير: حيث يتم ترتيب الكلمات في الجملة لتحقيق أغراض معينة.
- الحذف: وهو حذف بعض الكلمات لتحقيق الوضوح أو الإيجاز.
- الفروق: وهي الاختلافات بين الكلمات في المعنى والتركيب.
- الفصل والوصل: حيث يتم فصل الكلمات أو وصلها لتحقيق أغراض معينة.
عبد القاهر الجرجاني، صاحب نظرية النظم، هو أحد أئمة اللغة وواضع أصول علم البلاغة. ولد في منطقة جرجان بين خراسان وطبرستان، واشتهر بمجموعة من الكتب، منها "دلائل الإعجاز" الذي يعتبر من أشهر مؤلفاته.
نظرية النظم لازالت تُدهش الباحثين المعاصرين وتقف في موقف قوي أمام نظريات اللغويين الغربيين في العصر الحديث، مما يدل على عمقها ودقة مبادئها في فهم البلاغة العربية.