تُعتبر الدولة الحفصية واحدة من أهم الحركات الإسلامية التي شهدتها شمال أفريقيا خلال العصور الوسطى، إلا أنها واجهت نهاية حتمية نتيجة مجموعة معقدة ومتشابكة من الأحداث الداخلية والخارجية. هذا التحليل سيتعمق في الأسباب الرئيسية لسقوط هذه الإمبراطورية القوية.
بدأت الدولة الحفصية كحركة مقاومة ضد الاحتلال الإسلامي للقرن الثامن عشر، وسرعان ما تحولت إلى دولة مستقلة قوية تحت حكم مؤسسها أبو زكريا يحيى بن الحسن. الزيادة المفاجئة في النفوذ السياسي والعسكري للحفصيين كانت مدفوعة بعدد من العوامل الداخلية المهمة. أولاً، سياسة الباب المفتوح للغزاة المحليين الذين كانوا يحاربون الإسبان وصلبويين قرطاجنة أدت لانتشار كبير للقوات والموارد البشرية المتاحة للإمبراطورية الوليدة. ثانياً، النظام البيروقراطي الفعال الذي وضعته الدوحة الحفصية ساعد في تنظيم وإدارة شؤون الحكم بكفاءة عالية. وأخيراً، التركيز الكبير على التعليم والتقدم الثقافي أسهم بشكل كبير في تعزيز مكانتهم بين الدول الأخرى آنذاك.
ومع ذلك، لم تكن الظروف الخارجية أكثر مساعدة للدولة الناشئة. تصاعد الصراع بين الدول الأوروبية المُستعمرة جعل المنطقة هدفا جذابا للاستعمار الغربي. بالإضافة لذلك، فقد كان النمو الاقتصادي غير متوازن؛ فبينما ازدهرت بعض المناطق التجارية والصناعية مثل تونس العاصمة وتوزر وزغوان وغيرها، ظلت مناطق أخرى فقيرة ومهمشة مما خلق حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
الحروب المستمرة مع الجيران والأعداء القدامى كالسلطات المغربية والنمساوية والإيطالية أثقلت جيوب خزانة الخزانة العامة وبالتالي قللت قدرتها على تجديد الجيش والدفاع عن الحدود. كما أدى التدخل الخارجي خاصة الفرنسي والبريطاني لتغيير موازين القوى لصالحهم واستنزاف القوة العسكرية لدولة الحفصيين تدريجياً.
في النهاية، فإن الجمع بين الضغط الداخلي المتزايد وعدم القدرة على التعامل مع التهديدات الخارجية قاد نحو انحدار الدولة الحفصية حتى اختفت تماماً بحلول القرن التاسع عشر تاركة خلفها إرث ثقافي غني ولكن بلا سلطة سياسية محلية فعّالة.