كان الفنان الفرنسي أنري دي تولوز لوتريك أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في تاريخ الفن الحديث. رغم أنه لم يُعرَف ذاتيًا بأنه سريالي، إلا أن إبداعاته كانت لها دورٌ مهم ودفع نحو تطوير هذا النوع الفني. عكس عمل لوتريك العميق غير التقليدي ملامح الإبداع الحر والتعبيرعن اللاوعي التي هي أساس الحركة السريالية.
ولد ماكس أنري فرانسوا رينيه دي تولوز لوتريك عام 1864 لعائلة ثرية ومتعلمة جيداً. شجعت والدته ميوله الفنية بينما كان أبوه يفضل أن يصبح محامياً. بدأ رسم اللوحات الجدارية عندما بلغ الثالثة عشر فقط، مما يدل على موهبته الواعدة منذ الصغر. ومع ذلك، فقد تأثر بشدة بحياة عائلية مضطربة أدت إلى تدهور حالته الصحية والنفسية.
خلال حياته القصيرة والمليئة بالصراعات الشخصية والفنية, طوّر لوتريك أسلوبه الخاص المشوب بدقة عالية وخيال غني وأحاسيس عميقة. تتميز لوحاته بنمط حيوي وحركي يعبر فيه عن مواضيع مثل الحب والعزلة والخوف - كلها عناصر ستجد طريقها لاحقاً ضمن فناني حركة السريالية. بالإضافة لذلك، استخدم الألوان الزاهية والجريئة والأشكال geometry المتشابكة لإثارة رد فعل عاطفي لدى المشاهدين؛ وهو ما أصبح فيما بعد علامة مميزة للسريالية أيضًا.
على الرغم من عدم انتمائه الرسمي للحركة السريالية، فقد عبّد الطريق أمام العديد ممن سيأتي بعده لأجل تقديمه شكلاً جديدا للفن يكسر حواجز الواقع ويعيد النظر بالعقل الجمعي بطريقة مختلفة جذرياً. توفي لوتريك مبكراً سنة 1901 تاركا خلفه تراث فني أثَّر بشكل كبير على الاتجاه العام للفنانين الأوروبيين وفي مقدمتها تلك الموجودة داخل حركة "السريالية".
إن مساهمات لوتريك وتجاربه الإنسانية الغنية جعلته شخصية رئيسية وملهمة لتطور الفن المعاصر والسريالية تحديدًا.