ولد أبو العباس محمد بن يزيد المعروف بالمُبيرّد، وهو اسم له قصة مثيرة للاهتمام، في سنة 211 هـ الموافق لعام 825 ميلادية في مدينة البصرة. تُعود تسميته بـ"المُبيرّد" حسب الروايات المتعددة، إحداها بسبب حيلة خدع بها بعض رجال السلطة عندما رفض حضور وليمة لهم، حيث اختبأ داخل جلد مزمولةٍ فارغ أخفاها عنه شيخه أبو حاتم السجستاني. أما الأصل الذي ينتمي إليه فهو من بني تميم، إذ يعود نسبه لأبي بكر الصديق عبر الصحابي خالد بن سعيد بن العاص.
درس ابن المُبيرّد تحت ظلال العديد من العلماء الأفذاذ في عصره منهم: أبو عمر الجرمي، وأبو عثمان المازني الذي اعتبره صاحب أعظم مقام بعد سيبويه في مجال النحو العربي. كما تشرب علوم الفقه واللغة من مدرسة الجاحظ وأبو حاتم السجستاني. لم يكن طالبًا جامدًا، فقد امتزجت تجربته بمشاركة الآخرين فضلاً عن الاستفادة منها. وفي فترة شبابه المبكرة أثبت براعةً نقلته إلى مكانة متقدمة ضمن صفوة المؤرخين والفلاسفة آنذاك مثل أبي زكريا اليازجي ومحمد بن هارون الرشيد.
نظراً لشخصيته الاجتماعية وطيبة قلبه توجّه نحو تدريس أبناء الطبقة الراقية مما أكسب سمعة عظيمة لدى محيطه الاجتماعي. بين دفعات طلابه نجد شخصيات بارزة تركوا بصمة واضحة خلال القرن الثالث الهجري ومن بينهم الزجاج والصولي وابنه أحمد بن عبدالله وغيرهم الكثير ممَن انطلق بهم لتكوين نهضة ثقافية هائلة واستمراريتها للجيل الحالي أيضًا.
ليست أعمال ابن مُبريد محصورة بحقل واحد بل تعددت مجالات اهتماماته وبالتالي تنوع إنتاجه الأدبي والفكري. كتابة تاريخ الإسلام بشكل شامل ضمن كتاب "الكامل"، بالإضافة لعمله الشهير "المقتضب" والذي يعد موسوعة شاملة للنقد والحكم والمواعظ السياسية والعسكرية والتاريخية والدينية كذلك. كذلك ألف تعليقاً مستفيضا حول القصائد الأمثلة والمعروف باسم "الحجة الواضحة". علاوة علي ذلك، ألّف كتاب آخر بعنوان:"أسرار البيان". تبقى مساهمات هذه الشخصية الرائعة في تطوير فهمنا للتراث الإنساني غنية ومتنوعة تستحق دراسات متفحصة ودقيقة لاستخراج كنوزه القيمة التي خلفها خلف ظهره لعالمنا الحديث الذي يحتاج لإرشادات قادتها السابقون للاستضاء بها خلال طريق المستقبل المضطرب.