أبو معشر البلخي: رائد من رواد الرياضيات والعلوم في العصور الإسلامية

ولد عالم الرياضيات والفلك البارز أبو معشر البلخي، المعروف أيضًا باسم Albomaṣar، حوالي العام 787 م في مدينة بلخ الواقعة حالياً في أفغانستان. وعلى الرغم

ولد عالم الرياضيات والفلك البارز أبو معشر البلخي، المعروف أيضًا باسم Albomaṣar، حوالي العام 787 م في مدينة بلخ الواقعة حالياً في أفغانستان. وعلى الرغم من اهتماماته الأولى بدراسات الحديث، إلا أنه سرعان ما انصرف نحو تعلم علم النجوم وفنه. انتقل البلخي إلى بغداد خلال فترة الشباب بحثاً عن المزيد من المعرفة، مستقرًا في الجزء الغربي من المدينة بالقرب من باب خراسان.

امتاز البلخي بحسه المتقد تجاه التاريخ والخبرة بالأحداث القديمة حول الفرس تحديدًا؛ مما أكسبه سمعته الطيبة في مجال التنجيم. تشير الروايات التاريخية إلى صداقته الوثيقة والمؤثرة مع الموفق، أخ المعتمد. شهد هذا الأخير تفانيه وحنكته عندما شاركا سوياً التجارب المحنة أثناء الحصار الذي فرضه الزنجيون على البصرة.

تعتبر رحلة حياته مليئة بالإنجازات المثيرة للإعجاب التي تجسد ذروة التنوير الثقافي خلال تلك الفترة الذهبية للأدب العربي والعلم والتقدم العلمي تحت الحكم العباسي. برع أبو معشر ليس فقط كفلكلوجي لكن أيضا كمؤرخ ومجتهد متألق في علوم أخرى مثل المنطق وعلم النفس والكيمياء بالإضافة طبعا لأعمال كبيرة في مجالي الفيزياء والرياضيات.

ترك خلفه تراثًا غزيراً من التأليف يشمل مجموعة متنوعة تتكون من حوالي الأربعين عملًا تغطي جوانب مختلفة من معرفته الواسعة. ومن بين هذه الأعمال الشهيرة "المدخل الكبير لعلم أحكام النجوم"، وهو العمل الأكثر شهرة والأكثر تأثيرًا عبر تاريخ الأدب الإسلامي حتى يومنا هذا. لم يكن هذا الكتاب مجرد مرجع شامل لفهم الأحكام الفلكية فحسب ولكنه يعد أيضًا شاهداً حيًّا على قدرة التصميم المعرفي لدى العالم المسلم القديم عموما وأبو معشر خصوصيَا . لقد تعامل الجميع معه باعتباره المرجع النهائي لحكم الفلكيين الأوروبيين خلال عصر النهضة ولمدة طويلة بعد ذلك. وإلى الآن مازالت بعض الترجمات لاتزال موجودة ومتاحة أمام القراء المهتمين باستكشاف أساسيات علم الفلك وفق منظور عربي إسلامي قديم جميل.

وقد تمت ترجمة العديد من أعمال أبو معشر إلى اللغة اللاتينية لعبور حدود الثقافات والحصول على اعتراف عالمي لتراثه الثري. أصبح تحفته الفنية "المدخل الكبير" معروفًا باسم 'Albicantus' ('الاتصال الكبير') وتم نشره أول مرة سنة ١١٤٠ بعد الميلاد بواسطة هرمان دالماسياس بطريقة مبسطة مقارنة بالتسلسل الأول ليوحنا أشبيلية عام ١١٣٣ الميلادية. حققت نسخة الأخيرة انتشارا شعبيا هائلا وشعبية ساحقة بين الجمهور الأكاديمي خاصة بمراكز التعلم الرئيسية بالعالم القديم آنذاك كالجامعات الموجودة بفلسطين اليوم والقاهرة والإسكندرية...الخ .

إن ذكر اسم أبو معشر البلخي داخل صفحات تاريخ العلوم الإنسانية يعكس مساهماته الهائلة في المجالات العلمية المختلفة بما فيها الرياضيات والفلك والتاريخ -حيث وضع أسسا لاتزال محل اهتمام المستكشفين الجدد الذين يتمتعون بدافع فضولي لاكتشاف المسارات التي شكل بها هؤلاء الأفراد الرائعين المجتمع العالمي كما نعرفه حالياً! إن روح استكشاف المعرفة بلا هوادة هي جزء مهم من التقاليد العربية الإسلامية وإننا ندين لهم جميعا بتقديم خالص الشكر والثناء لما تركوه لنا من بصمة واضحة لن تمحوها السنوات مهما مر عليها الدهر.


عاشق العلم

18896 blog posts

Reacties