في رحاب التاريخ الطبي والعلمي، يبرز اسم العالم الفذّ محمد بن الحسن، المعروف بابن الهيثم، باعتباره الرواد الذين أسهموا بشكل كبير في فهم آليات البصر وعملية الإبصار. إنّه الرجل الذي فتح أبواباً جديدة لفهم طبيعة خلق الله في البشر، خاصة فيما يتعلق بتلك الآلة الدقيقة والمعقدة - "العين".
كان لابن الهيثم دور بارز في مجال البصريات ليس فقط بسبب تفانيه في البحث والتجريب، ولكنه أيضًا لأن نظرياته قد تغلغلت وأثرت بشكل عميق في الحقل العلمي العالمي. ففي عصره، تحدّى ابن الهيثم النظريات السائدة حول كيفية عمل عملية الإبصار والتي كانت قائمة منذ عهد القدماء مثل بطليموس والإقليدس. لقد أثبت بصورة قاطعة أنّ مصدر المعلومات المرئية يأتي عبر انعكاس الضوء وليس بإطلاق أشعة من العين نحو الأجسام الخارجية.
ومن ضمن إنجازاته العديدة كذلك رسم خرائط دقيقة لأجزاء العين المختلفة وصفا مفصل لها. فقد وضع اسماً محدد لكل جزء منها مستخدمًا مصطلحات لاتينية مما جعل تلك المصطلحات سرعان ما انتقلت للغرب واستمرت حتي يومنا هذا. فالقرنية ("cornea"، حسب الترجمة العربية الجديدة لكلمة cornea) هي الجزء الخارجي الواضح والعلوي للعين والذي يساعد علي تصحيح الانكسارات الضوئية قبل دخولها داخل العين بينما الشبكية ("retina") عبارة عن طبقات متداخلة تحتفظ بالحواس الوعائية والأوعية الدموية اللازمة لنقل المغذيات والبروتينات لهذه المنطقة الحساسة جدًا. أما السائل الزجاجي ("vitreous humour") فهو مادة شبه هلامية تملأ تجاويف خلف عدسة العين مباشرة وشبيه بالمادة الجيلاتينية الموجودة بشبابيك السيارات القديمة وهو مسؤول جزئيًا عن تماسك شكل كرة العين مع الاحتفاظ بحرية حركة زجاجيتها الداخلية. أخيرا وليس آخرًا ،السائل المائي ("aqueous humour")وهو محلول ملحي يحدث بين الطبقتين الأمامي والخلفي للقرنية وظيفته الرئيسية تكمن بمحافظة رطوبتها وإراحة عضلاتها .
وتظهر براعة وابداع ابن الهيثم حين طور نظرية فريده فيما يتعلق بكيفيه رؤيتنا للأشياء باستخدام عينينا مجتمعتين. حيث تبين لنا التجارب العملية قدرتهم الفردية بملاحظة احداث تزامن عند مشاهدة سطح مشترك بدون الشعور بذلك الأمر المستغرب سابقآ لدى البعض بأنه يشاهد شخص느 شخص أمام نفسه! وعليه قام بتقديم تفسيره المقنع القائم علي افتراض اجتماع صور مشابه تمام التشابه لموقع جسم موضع التركيز علي شبكتي كلتا العينين لذلك يتم التعامل معه كموضوع واحداً واضح المنظر بلا ازدواج وانشقاق مرئي غير سار ومزعزع الاستقرار النفسي لمن يعاني منه.
فضلا عن كون ابن الهيثم مخترعا للتلسكوبات ثنائية التصوير ثلاثية الأبعاد(الأستريوشيكوب),فهو أيضاً مؤسسا لعلم الظاهرات البصرية الحديثة RBIs وهناك العديد ممن أتى بعده وساموه بلقب مبتكر ومؤسس لعلم جديد ذا طابع خاص وحده.
وفي الجانب العملي أيضا، قدم المساهم الأكبر للإنسانية عندما رسم قوانينه الخاصة بانعكاس وضغط الضوء وكذلك شرح ظاهرة الانكسار المرتبطة بحالات انتشار الأخيرة خلال نطاق محدود جدا سواء أكانت وسط مياه أم جوهر زجاجي أو غلاف جوي مستقبل للحرارة والضوء بالتزامن.
إن جهود ابن الهيثم لا تُقدر بثمن ولا يمكن تجاهلها فهي أساس الكثير من الاكتشافات والجوانب الأخرى المتصلة بها والتي نتجت عنها مجالات فرعية أخرى ذات دلالة كبيرة ومعاصرة حتى الآن كالتصوير الطبي عبر جهاز الأشعة المقطعية CT Scan Computerized Axial Tomography والتصوير بالأشعة فوق الصوتية Ultrasound . بالإضافة إلي اختراعه الخاص لصناعة كاميرا كهروضوئية CCD Charge Coupled Device المستخدم حاليًا لعمليات التحويل الإلكتروني للدوائر الكهربائية وفق تقنيات رقمية مختلفة ومتنوعة ومتطورة باستمرار لحاجة السوق العالمية اليومي