تسعى اللغة العربية إلى الدقة والتعبير الواضح، وهو ما ينعكس بشكل واضح في استخداماتها المختلفة للشبه الجزئيّة؛ كالواوين اللتين قد يبدو عليهما التشابه للأول وهما "واو الحال" و"واو الاستئناف". سنوضح هنا كيفية التفريق بينهما ودور كل منهما في النصوص القرآنيّة والنثر العربي.
واو الحال: وصف وتوضيح لحالة الفعل
واو الحال هي الواو التي تتبعها جملة تكشف حالةً معينة حدث فيها فعْل محدد. إنها تعمل كمصفوفة زمنيّة أو مكانيّة تحدد السياق الذي ظهر فيه العمل. غالبًا ما تأتي الجملة التالية لهذه الواو باسميّة لكن يمكن أيضًا أن تكون فعليّة بشرط البدء بالفعل المضارع المنفي. ذلك لأن وظيفة واو الحال تتمثل في تحديد اللحظة المُحددة من الزمان أو المكان الذي حصلت أثناءه القصة المسردة سابقًا.
مثَلْ على ذلك قوله -سبحانه وتعالى-: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى." [النساء:43]؛ حيث يبين الجزء الثاني من الجملة حالت الشخص المتحدث عندما أمره بتجنب الصلاة تحت تأثير الخمر. بالإضافة لذلك، تشمل أمثلة أخرى مثل قول الله جل وعز: "قُلْ يا أيها الناس إن كنتم في ريبٍ من البعث فإنّا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة..." [الحج:5]. وفي هذا المثال، يعمل الوصف التالي للخلقة البشرية كورود فوتوشوبي لتعميق فهم مشهد الولادة والإنجاب لدى المستمع/القاريء.
واو الاستئناف: فصل جديد وموضوع مستقل
على الجانب الآخر، تعددت تسميات هذه الواو وأشهرها "واو الاستئناف"، والتي تستخدم لإطلاق جزئية جديدة مستقلة تمامًا عن سابقتها. ليس هناك ارتباط نحوي أو لغوي مباشر بين الجزءين؛ بل هما فقرتان متوازيتان ولكن غير مرتبطتين بنفس الحدث الرئيسي كما يحدث عند وجود واو الحال. غالبًا ما تبدأ هذه النوعية بجمل فعلية بدون شروط حول الزمان والمكان وما شابه مما يؤكد حرية وضع المعلومة الجديدة مؤخرًا بلا قيود زمانية.
ومن أشهر الأمثلة القرآنية الشهيرة مثال الآيات 76-77 من سورة الأعراف ذكر الله سبحانه وتعالى مراحل خلق آدم أول مرة باستخدام عبارة "ثم"، وبعد تقديم تلك الصور البيانية الجميلة للجسد الإنساني، انتقل الحديث لاستخدام نفس العبارة مجدداً ضمن حديث آخر متعلق بتاريخ الإنسان الأول ذكر "ثم" بصريح العبارة للإشارة لكسر منطقية التسلسل السابق وإدخاله لحوار مختلف كليًا عنه سابقًا وبذلك يتم الفصل بوضوح بين الاثنين. ويمكن رؤية نموذج مشابه كذلك فيما يلي: "[... ]وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين...].."[الأعراف :122 ]. لاحظ هنا كيف قطعت جملتا "إن" و"رسول من رب العالمين]" المفاهيم السابقة وتمهيدا لدعوة جديدة لموسى للنبي فرعون ملك مصر القديم وقتذاك.[يونس:9-10].[والله عليم.]
ملخص الفروق الرئيسة بينهما
- ترتكز جوهر اختلاف هذين المركبين على مدى ترابط البيانات المقدمة واستقلاليتها نسبياً داخل السياق العام للقصة أو الموضوع المطروح للتداول. وعلى الرغم من احتمالية حضور أدوات الربط الأخرى ("ثم"- مثالا عليها -"وما" وغيرها الكثير) إلا ان قوة الرابط والترابط تضمحلين تدريجيًا حتى تصبح مجرد علامة فارقة صغيرة تفصل قسمين مغايرين لبعضهما البعض ويمنع التحولات المحسوسة للعلاقة بين الأخير بالسابق بسبب تغيير اتجاه مسارك نحو أحلام مختلفة تمام الاختلاف!
- تتضمن معظم الفقرات المصاغ بواسطة "واو الحال" معلومات داعمة أساسية وزائدة لفكرة رئيسية أكثر شمولا بينما تقوم الأخيرة بدفع المشاهد للاستعداد لانطلاقة مغايرة بكليا بخصوص موقف عمل وايضا شخصيات جديدة دخلت دائرة المنافسة الآن!. لذا اصبحت اولويات التركيز الان علي جوانب اخرى خارج حدود الرسم البياني التقليدعي موجود سابق .