تُعتبر الراية السوداء أحد أبرز الرموز التي ارتبطت بحكم خلفاء الدولة العباسية، والتي امتدت عبر مساحات واسعة ومترامية الأطراف منذ القرن الثامن وحتى نهاية القرن الثالث عشر الميلادي تقريبًا. كانت هذه الراية تعكس قوة وعظمة هذا الخلافة الإسلامية الهائلة وتدل عليها. وقد اشتهرت باللون الأسود بشكل خاص خلال عهد الحاكم الصارم والقوي أبو جعفر المنصور، وهو ثاني خلفاء بني العباس الذين حكموا بين عامي 754 م - 775 م.
وقد اختار اللون الأسود كرمزٍ له ولخلافته بسبب دلالاته القوية والمؤثرة؛ ففي الثقافة الشرقية القديمة، كان اللون الأسود يمثل النقاء والقوة والحكمة، بالإضافة إلى ارتباطه بالموت والحياة الجديدة. وفي سياق سياسي أكثر تحديداً، اعتبر البعض اختيار المنصور للون الأسود كنايةً عن الرعب والخوف المرتبطين بسياساته الجذرية وكيف أنه لم يكن لينتهز فرصته للحفاظ على سلطانه المتنامي بسرعة كبيرة.
وبجانب الدلالة السياسية والدينية، هناك أيضاً جانبان آخران مرتبطان مباشرة بهذا الاختيار الاستراتيجي لحكام العصر العباسي؛ الأول يتعلق باستخدام الأقمشة الفاخرة والصباغة ذات الجودة العالية لإنتاج تلك الرياحات الملكية، مما يعطي انطباعا قوياً حول مدى غنى وسخاء الحكومة المركزية ومكانتها الاجتماعية البارزة ضمن المجتمع الإسلامي آنذاك. أما الجانب الثاني فهو ذو طبيعة عسكرية، حيث استخدم جنود الفرسان المنتشرون تحت إمرة خليفتها الرائحة السوداء كتحدٍّ واضح لأعدائهم أثناء المعارك الحربية، مما قد يؤدي بنفس الوقت إلى عزيمة عالية لدى القوات المؤيدة للدولة وماشيء إليها من الشعور بالأمن والثقة بالنفس.
إجمالا يمكننا القول بأن لون الراية السوداء قد أصبح رمزا بارزا لتاريخ الدولة العباسية الغني والمعقد، والذي شهد طموحات هائلة وصراعات دموية ولكن أيضا تقدم حضاري كبير وحركة علم وثقافة نابضة بالحياة!