في عصر الخلافة الأموية، شهدت الحياة الأدبية والثقافية ازدهاراً ملحوظاً، حيث برزت مدن وبلدان كمركز رئيسي للشعر والأدب العربي. هذا العصر الذهبي لعب دوراً محورياً في تشكيل نماذج أدبية مميزة ما تزال تُدرس حتى اليوم. سنتعمق هنا في هذه الظاهرة الفريدة ونستعرض أهم المراكز التي ساهمت بشكل كبير في إنتاج وترويج القصائد والشعر النبطي والمعقول خلال تلك الفترة الزمنية الحاسمة.
كان دمشق العاصمة الأولى للممالك الأموية، وقد عرفت بنشاطاتها الثقافية الغنية. كانت تضم مجموعة كبيرة ومتنوعة من الشعراء الذين كانوا يقيمون فيها ويؤلفون أعمالهم تحت رعاية خليفة بني أمية وجمعيات الأدباء المحلية. ومن أشهر شعرائها أبو نواس ويزيد بن معاوية وغيرهما الكثير ممن كتبوا قصائدهم الشهيرة داخل أسوار المدينة القديمة.
أما بغداد فقد كانت تسمى "بمدرسة الشعر"، حيث جمعت بين المدارس العلمية والمكتبات العامة وجامعة النجاح الواسعة والتي احتضنت العديد من الشعراء البارزين مثل ابن هانئ الأندلسي وعبدالله العمري. كما أنها كانت مركز جذب للإبداع الشعري نظرا لموقعها الاستراتيجي وكثرة الرحلات التجارية إليها مما ساعد على تبادل الأفكار والتأثيرات الأدبية المختلفة.
وفي موطن العرب الأصليّ، مكة المكرمة والمدينة المنورة, ظلت الرواية الشفهية جزءا أساسيا للحياة الاجتماعية وفي نفس الوقت مصدر إلهام للعديد من المؤلفات المكتوبة. لقد حافظت هاتان المدينتان المقدستان على تراث الشعر الجاهلي واستغلتهما لتكوين قاعدة قوية للأعمال الجديدة المرتبطة بالدين الإسلامي والعقلانية العربية.
كما امتدت رقعة التأثير إلى خارج حدود الشرق الأوسط التقليدية؛ فإلى الجنوب الشرقي وصل الضوء الإبداعي إلى اليمن عبر شخصيات بارزة كالعباس بن الأحنف وابن دريد الهمداني، بينما تعرضت مناطق شمال أفريقيا بشموليتها للتجارب الشعرية الطليعية لدى عبد الرحمن الداخل وإخوان الصفا وصوفية القرن الثالث الهجري المبكرة.
وبهذا فإن المعرفة الإنسانية تعكس ثراءً ثقافياً متنوعاً يعود فضله جزئياً لجهود أولئك الرجال والسيدات الذين اعتنقوا روح القلم وحولوه لحجر الأساس لأحد أكثر الفترات غنى بالأحداث داخل التاريخ العربي القديم -العصور الاموية تحديدا-.
