يعد العالم اللغوي ابن جني أحد رواد دراسة الأصوات اللغوية في التاريخ الإسلامي. يعرّف ابن جني الصوت اللغوي بأنه "ما يخرج مع النفس الذي يتنفسه الإنسان، ويشترك في إخراج هذا الصوت كل من الحلق والفم والشفتين، وتختلف الحروف بحسب اختلاف المحل الذي تعتمد عليه في النطق". هذا التعريف يسلط الضوء على الطبيعة الصوتية للغة، حيث يرى ابن جني أن اللغة هي مجموعة أصوات تعبر بها كل مجموعة من الناس عن غاياتها وأغراضها.
يتفق ابن جني مع العديد من العلماء، بما في ذلك العالم الإنجليزي الشهير وتني، في أن أصل اللغة هو المحاكاة. يرى أن أصوات اللغة الإنسانية تحاكي أصوات الطبيعة، مثل صوت الرعد والريح والماء وأصوات الحيوانات. هذه النظرية تتوافق مع نظريات نشأة اللغة، خاصة نظرية المحاكاة الصوتية.
ابن جني ليس فقط من عرّف الصوت اللغوي، بل هو أيضًا من جعل من الأصوات علمًا مستقلًا. في كتابيه "سر صناعة الإعراب" و"الخصائص"، وضع أسس علم الأصوات اللغوية. يرى ابن جني أن علم الأصوات والحروف يرتبط ارتباطًا مباشرًا بعلم الموسيقا، إذ يتشابه معها في الأصوات والأنغام.
يرى ابن جني أن الأصوات اللغوية تخرج من جهاز في جسم الإنسان يسمى جهاز النطق، ويتكون هذا الجهاز من مجموعة من الأعضاء مثل الأسنان، واللثة، والغار، والجدار الخلفي للحلق. كما يميز ابن جني بين الحرف والصوت، حيث يرى أن الحرف هو الصوت الذي ينطق والرمز الذي يكتب.
يصنف ابن جني الحروف إلى عدة تصنيفات، منها الصوامت والصوائت، ومخارج الأصوات، والأصوات المجهورة والمهموسة، والأصوات الشديدة والرخوة والمتوسطة. ويحدد عدد حروف اللغة العربية بـ 29 حرفًا أولها الألف وآخرها الياء.
بهذا، يقدم ابن جني مساهمة كبيرة في دراسة الأصوات اللغوية، حيث وضع الأساس لعلم الأصوات اللغوية وعرّف مفهوم الصوت اللغوي بشكل واضح ومفصل.