يمثل كتاب "نظرية المعرفة"، الصادر عام ١٩٥٣ عن وزارة الإرشاد القومي، إحدى الرؤى الفلسفية الثاقبة حول طبيعة وطرق اكتساب المعرفة لدى المفكر المصري الدكتور زكي نجيب محمود. تتفرع الدراسة في مجلداته الاثنتي عشرة إلى ثلاث أقسام رئيسية تجيب عن أسئلة عميقة بشأن فهمنا للحقيقة والمعرفة البشرية.
في الجزء الأول، يتعمق الكتاب في جوهر ما تعنيه المعرفة بشكل عام، ويتصارع بين وجهات النظر المختلفة للواقعيين، البرجماتيين، والمثاليين الذين ينظرون إليها عبر عدسات مختلفة تماماً. بينما يسعى الواقعيون والبراماتيون لتفسير الطبيعة الموضوعية للمعرفة استناداً إلى وجود أشياء خارجية للعقل، إلا أنها تصنف العلاقات باختلاف؛ ترى الأولى فيها صدقية مطابقة صورة لأخرى فعلية أما الثانية فتتبنى منظور مرتبط بالسلوك العملي لإدراك تلك الآثار الخارجية. ومع ذلك تبدو نظريات المثاليات متناقضة لهذه التصورات إذ تنكر وجود أمر خارج عالم الأفكار العقلانية؛ حيث تعدُّ إدراكات الذات المعرفية مجرد انعكاساتها الضوئية وترتكز رؤيتها لكل ماهية بما تمثله داخل فضائها الخاص.
وفي الفصل الثاني تتم مناقشة مصدر الحصول على المعلومات حيث تقدم مداخلات متنوعة حسب اتباع المدارس الفكرية المختلفة مثل مدرستي التحليل والإبداعي؛ حيث يقوم السابق أساسياً اعتماداً علي الحاسة الخامس واستقبال المؤثرات الناتجة منها كمدخل لعملية التعلم والفهم بينما تعتمد الثانية أكثر اعتماداً ذهنيًا منطقيًا قائماً علي ادراك الروابط المشتركة ذات الدلالة المنطقية فيما بين عناصر الجوهر المقابل حال مواجهتنا له. ومن جانب آخر توضح الطروحات التقليدية تبعتها مانسب الي'الحرث'أو 'الإصابة مباشرة'.
وأخيراً يتم تناول آفاق توسعات نطاق القدرة الخاصة بالإنسان للاستيعاب الذاتي لمحيط واقعه الغير محدود وغير محدودٍ بدوره وهو الأمر المتحاور بشأنه بنوع خاص عند مدارس التفكير النفعي والعيني والتي تؤكد بإيجاز قدرتهم لاستيعاب المزيد باستمرار رغم مرورك بمراحل متفاوتة نسبياً بناءً علی اختلاف درجة خبرات فرديتكم الشخصية مقابل مذهبين السلبيتين للغاية -الأولى تشكيكية تجاه مصداقية الوصول لحقيقته النهائية والثاني يشكيك اصلا قدوم اي علم بالموضوع نهائيا أصلاً! وبالتالي ، يبقى العمل الأدائي الأخير بقدر كبير من أهميته لأنه يساعد بصورة مفيدة جدًا لفهم جذور خلافات العلماء القدامى وموقفهم منها بالإضافة إلي مساهمة كبيرة بوصف نهج حياة أفراد مجتمع حديث اليوم نحو رؤية العالم الخارجي والسعي لبناء نموذجين تفسيريهين مختلفين لرؤية الذات أمام المجتمع الواسع. إنها بلا شك رحلة مثيرة عبر شبكة معقدة من الأفكار والصراعات الفلسفية تكشف المعارك الداخلية للنفس الانسان داخليا وخارجيا سواء بسواء٫ وستظل دائما مرجعية مؤثرة لمن يرغب بالتعميق بالحياةالعقل الجمعيCHLUNGEOMENTARY
