كان النقد الجمالي أحد أهم المساهمات التي قدمها العقل العربي للعالم الأدبي والفني. هذا النوع من النقد يركز بشكل أساسي على التحليل الدقيق للأعمال الفنية ليس فقط من الناحية التقنية ولكن أيضاً من منظور جمالي ذوقي عاطفي. يعود تاريخ هذه النظرية إلى الجاهلية العربية عندما بدأ الشاعر العربي في نقد الشعر بناءً على جماليات القصيدة ومدلولاتها الجمالية.
مع ازدهار الثقافة الإسلامية خلال العصر الذهبي الإسلامي, اتسع مجال النقد الجمالي ليشمل الفن التشكيلي والموسيقى والشعر بطرق متعددة الأبعاد. كتب المفكرون مثل ابن طباطبا الهمذاني وابن سينا عن الموسيقى والنغمات وتأثيرها النفسي والعقلي، بينما تناول الخليل بن أحمد الفراهيدي علم الصوتيات وفن الغناء بصورة عميقة ومبتكرة.
كما أثرت الأعمال الفنية البصرية القادمة من بلاد فارس والهنود والإغريق وغيرها في التفكير الجمالي العربي. اعتمد العديد منهم على مبادئ الوحدة والتناسب والتوازن والاستقامة كما هي موجودة في الهندسة المعمارية الأولى للمساجد والكنائس.
وفي مجال الشعر تحديداً، كان أبو هلال العسكري واحدا من أكثر الرواد تأثيرًا الذين وضعوا معايير للنقد الأدبي مستندين إليها في تحليل الأشعار حسب قواعد اللغة والبلاغة والقافية وحسن الاختيار للألفاظ والمعاني. وقد انعكس ذلك التأثير حتى يومنا الحاضر بروايات عديدة حول كيفية اختيار الشاعر لأفضل الصياغات وأكثرها جاذبية للقارئ.
خلافًا لما هو شائع بين بعض الكتاب المعاصرين، فإن النقد الجمالي لدى القدماء لم يكن مجرد رأي شخصي غير موثوق. بدلاً من ذلك، كانت هناك مجموعة واضحة ومتكاملة من المبادئ التي تسعى لتحليل كل جزء من العمل الفني - سواء كان شعرا أم موسيقى أم لوحات فنية - بهدف تقديم رؤية شاملة للحالة النفسية والوجدانية للشاعر الفنان بالإضافة لتقييم مدى نجاحه في إيصال الرسالة المراد توصيلها للجماهير المستهدفة. وبالتالي، يمكن اعتبار النقد الجمالي وليداً متقدمًا للفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس أيضًا فضلًا عن كونها فن محض.
بهذه الطريقة، يستمر الإرث الثقافي والعلمي للإنسان العربي كونه مصدر إلهام وثروة معرفية هائلة تستحق الدراسة والتفصيل الواضح والدقيق لفترة طويلة قادمة إن شاء الله تعالى.
