في عالم العلوم، غالبًا ما يُعتبر الاكتشاف الخاص بالغازات النبيلة واحدًا من الأحداث البارزة التي أثرت بشكل كبير على فهمنا للتركيبة الكيميائية. هذه الفئة الفريدة من الغازات - التي تشمل الهيليوم، النيون، الأرجون، الكريبتون، الزينون، والرادون - كانت محيرة إلى حد كبير بسبب طبيعتها المختلفة عن باقي عناصر الجدول الدوري. لكن كيف تم تحديد وجودها وكيف عرف العلماء أنها "نبيلة"?
الرحلة بدأت مع العالم البريطاني ويليم رايلي وزميله موريس ويلز عام 1894. خلال تجارب حول التحليل الطيفي للهواء الليثيوم المنصهر، لاحظوا خطوط طيف غير معروفة. بعد دراسة متأنية لهذه الخطوط، استنتجوا أنها مرتبطة بغاز جديد لم يتم تحديده سابقاً. لقد كانوا قد عثروا بالفعل على أول الغازات النبيلة المعروفة اليوم: الأرجون.
استنادًا إلى هذا الاكتشاف المبكر، بدأ البحث العلمي المكثف لتحديد المزيد من الغازات النبيلة. وفي العام التالي مباشرةً، اكتشف كلٌّ من كارل فاهر وهنريك نيستروم نفس الخصائص الواردة في الأرجون ولكن باستخدام طرق مختلفة تمامًا للتقطير الجاف لـ ثاني أكسيد الآزوت وثلاثي كلورات الخارصين على التوالي. ومن هنا جاء اسم "الغازات النبيلة"، لأنها تبدو مستقرّة جدا ولا تتفاعل بسهولة تحت ظروف بيئية قياسية كما تفعل معظم العناصر الأخرى في الجدول الدوري.
مع مرور الوقت وأدوات القياس الأكثر دقة المتاحة للعلم الحديث، أصبح بإمكاننا الآن تحقيق تقدّم هائل في دراستنا لهؤلاء الأعضاء الصامتة ضمن مجموعة Mendeleev الشهيرة. ولم يعد مجرد تصنيفهم ضمن ذلك الجزء الأخير للجدول دوري هو نهاية الطريق نحو معرفتهم؛ بل إن خصائصهما الفيزيائية والكيميائية المستمرة جعلت منهما بوابة كبيرة لإحراز تقدم آخر في المجالات مثل الطب الهندسي والأشعة الكهرومغناطيسي وغيرها الكثير مما لم يكن ممكناً بدون إدراك أهميتها الأولى منذ أكثر من قرن مضى!