تُعدّ نظرية "الواقعية"، أحد أهم الاتجاهات الفكرية التي شكلت فهم الإنسان للواقع والمعرفة منذ القدم وحتى يومنا هذا. يركز هذا المذهب على الاعتقاد بأن الحقائق والكائنات الخارجية موجودة ذاتيًا وباستقلالية عن إدراكنا لها. إذًا، فإن معرفتنا لهذه الحقيقة ليست إلا انعكاسًا لما هو واقعي بالفعل خارج نطاق وعينا.
يركز المذهب الواقعي بشكل أساسي على طبيعة وجود الأشياء والعلاقات بينها وكيف يمكن للإنسان الوصول إلى هذه المعرفة. يؤكد المتفلسفون الواقعيون على ضرورة فصل الوعي البشري والملاحظة البشرية عن جوهر الحقيقة؛ فالأشياء كما هي - سواء كنا نعرف عنها أم لم نعلم - قائمة بصرف النظر عمّا إذا كانت ضمن مجال رؤيتنا المعرفية أم لا.
يمكن تتبع جذور هذا النهج الفكري عبر التاريخ، حيث ظهرت أفكار مشابهة لدى العديد من المفكرين القدماء مثل أفلاطون وأرسطو الذين أكدوا على وجود عالم ميتافيزيكي ثابت ومستقل عن العالم الظاهري الذي نشاهده ونختبره يومياً. ومع ذلك، فقد تطورت وتنوعت الآراء داخل مدرسة الواقعيين مع مرور الوقت لتضم مدارس مختلفة مثل "الواقعية التجريبية" التي تسعى لإثبات حقائق خارجية عبر التجارب العلمية المنظمة، وكذلك "الواقعية النقدية" التي تعتمد على تحليل الخطابات والسرديات لفهم العلاقة بين الحقائق الداخلية والخارجية.
إن الطبيعة متعددة الأوجه للنظام المعرفي للإنسان قد جعلت منه موضوعاً خصباً للدراسة والتأمل. يسعى المُدركون الواقعيون لاستخلاص قوانين عامة حول كيفية ارتباط الأفراد بمحيطهم الخارجي وكيف ينتج عنهما عملية بناء معرفتهم الخاصة بالعالم من حولهم. إن البحث المستمر عن فهم أعمق لقوانين العمل الداخلي للعقل البشري وجهود تعزيز القدرة على الرصد الموضوعي للحصول على معلومات دقيقة دقيقة أكثر يعكس حرص هؤلاء المفكرين الدؤوب نحو تحقيق مستوى أعلى من الوضوح والنفع لنظريات علوم الأحوال النفسانية والإدراكيّة.
وفي النهاية، رغم اختلاف درجات التفاصيل والتطبيق العملي لأفكار كل فرقة فرعية محدداتها الخاصة بالمنهج الواقعي الرئيسي، تبقى دعوات جميع الفئات المختلفة باتجاه اعتماد تصورات واضحة لغايات التواصل والحكم العقلاء تشترك في هدف مشترك وهو إحداث تقدم حقيقي وفائدة دائمة للأجيال التالية بعدنا بما توفره لهم مما تم جمعه وجمعه بواسطة تجارب وآليات علمية سابقة وسابقة جدًا!
