التقديم والتأخير في استخدام البلاغة القرآنية: دراسة في النظم البديع للقرآن الكريم

لقد امتلأ كتاب الله عز وجل بالحكمة والبلاغة اللتين جعلتا منه مرجعًا للحياة لكل زمان ومكان. ومن بين أسرار هذا البلاغة استخدامه لتقنية "المقدم" و"المؤخر

لقد امتلأ كتاب الله عز وجل بالحكمة والبلاغة اللتين جعلتا منه مرجعًا للحياة لكل زمان ومكان. ومن بين أسرار هذا البلاغة استخدامه لتقنية "المقدم" و"المؤخر"، وهي تقنية بلاغية تتمثل في تقديم جزءٍ من الجملة ليصبح مبتدأً وتأخيره ليكون خبرًا، والعكس صحيح أيضًا. وهذا الاستخدام ليس مجرد ترتيب للألفاظ وإنما يحمل دلالات ومعاني عميقة تسعى إلى إيصال الرسالة بأفضل شكل ممكن. سنستعرض الآن عدة أمثلة توضح هذه التقنية وكيف أثرت في جمال المنظومة القرآنية:

  1. تقديم الخبر: من أشهر الأمثلة على هذا النوع قوله تعالى: "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق": هنا تم تقديم الخبر ("من إملاق") ليصبح مبتدأ، بينما جاء الضمير المتصل بـ "ت قتلوا" مرفوعًا ليُظهر الفعل كجزء رئيسي من الجملة. وهذه التقنية تُبرز أهمية عدم قتل الأطفال بسبب الفقر، مما يدل على حماية حقوق الطفل وحرمة الحياة الإنسانية.
  1. تأخير المبتدأ: مثال آخر يُوضح ذلك هو الآية "إياك نعبد وإياك نستعين": حيث تأخر الجزء الثاني من الجملة والذي فيه فعل الدعاء ("نعبد ونستعين") وتم تقديمه كمبتدأتين لجملتين مستقلتين، وذلك لإظهار روحانية دعائهما لله سبحانه وتعالى وتعظيم شأن الرب جل وعلا.
  1. استخدامات أخرى: هناك العديد من المواضع الأخرى التي تستعمل فيها آيات القرآن الكريم تقنية "المقدم" و"المؤخر". فعلى سبيل المثال: "وانظر إلى إبراهيم إذ قال لقومه اتخذوا أصنامكم"، هنا قدم الخطاب ("انظر") وهو أمرٌ أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالنظر إليه، كما قدم اسم الإشارة ("إذ") للتأكيد على حدث مهم ورد ذكره سابقاً. وبالمثل فإن تقديم الأفعال مثل "اعلموا" في بداية الآيات يؤكد أهميتها ويجعلها أكثر تأثيرًا مثل قول الله تعالى: "فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات".

في نهاية المطاف، يمكن اعتبار فن "المقدم" و"المؤخر" أحد كنوز البيان القرآني الذي تجلت فيه البراعة اللغوية والفكرية. فهو يساعد القارئ على فهم الدلالة والمعنى بشكل أفضل بالإضافة إلى جمالية التركيب الشعوري للجملة نفسها.


عاشق العلم

18896 Blog indlæg

Kommentarer