- صاحب المنشور: عتمان بن عزوز
ملخص النقاش:
في عصرنا الحالي الذي ازدادت فيه وتيرة الحياة وتعددت التزاماتها، أصبح التوازن بين متطلبات العمل والمهام اليومية من جهة ورغبات وأهداف الفرد على المستوى الشخصي والأسري من جهة أخرى مسألة حاسمة ومشتبكة. هذا الموضوع ليس فقط تحديًا معرفيًا وبشريًا هامًا ولكنه أيضًا موضوع ذو أهمية دينية كبيرة حسب تعاليم الإسلام التي تشجع على تحقيق الرضا والصحة النفسية والعافية العامة.
من الناحية العملية، يشير "التوازن بين العمل والحياة" إلى محاولة إدارة وقتك بطرق فعالة تلبي احتياجات وظيفتك بينما تحافظ أيضا على فرص للعائلة والأصدقاء والأعمال الخيرية والرعاية الذاتية. لكن كيف يمكن للمسلمين تحديد وتعزيز هذه العلاقة المعقدة؟ يدعونا الإسلام إلى الاعتدال والتوسط في جميع جوانب حياتنا - وهذا يعني عدم الانغماس الكامل في أي جانب واحد لفترة طويلة جدًا. يقول القرآن الكريم في سورة الزمر الآية 18: "ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو قادر على جمعهم إذا يشاء". هنا يتم التأكيد على القدرة الإلهية للتحكم حتى في الأشياء الصغيرة مثل النباتات والكائنات الحية الأخرى، مما يعكس ضرورة وجود نظام تنظيم جيد لكل شيء في عالمنا.
بالإضافة لذلك، يشدد الحديث الشريف على قيمة الأسرة والجوانب الاجتماعية للحياة: روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى." هذا التشبيه يؤكد دور المجتمع والدعم الاجتماعي في حياة المسلم، مما يحث المسلمين على بناء مجتمع داعم للتكامل بين مختلف المجالات بالحياة.
وفي العموم، يتجلى توازن الحياة الصحية وفقا للإسلام عندما نعطي كل جزء من حياة الإنسان قدره المناسب من الوقت والجهد دون خلل أو إفراط أو تفريط، كما تأمر بذلك نصوص الدين الحنيف. إنها دعوة لإنشاء نمط حياة محترم يغذي الروح ويغذّي الجسم، ويعزز العلاقات الإنسانية القوية، ويتيح للمسلم فرصة الاستمتاع بالعطايا المتعددة للحياة الدنيا مع التركيز دائمًا على الأمل والثواب الأبديين للجنة بعد الموت.
وبالتالي فإن الوصول إلى توازُنِ هذِين القطْبين الرئيسيين في حياة المسلم يستلزم فهماً عميقاً لأولوياتنا وقرارات مستنيرة تتوافق مع التعاليم الدينية والقيم الأخلاقية الصحيحة. إنه رحلة دائمة نحو التحسين الذاتي والسعي لتحقيق فوائد جليلة علمانية وروحية بأمانٍ وبساطة في آنٍ واحد باعتبارها هدفا أخلاقيّا نبوياً سامياً يسعى إليه المرء ليحقِّقه دوما بإذن الله عز وجل.