في زحمة الحياة وصخب الأيام، نجد أنفسنا نحتاج إلى سندٍ قوي ونبراسٍ يضيء طريقنا، فنقترب ممن نعتبرهم أحباباً وأصدقاء. لكن ما أكثر ما يمكن أن تجده الأحلام البريئة ممزوجة بالألم عندما ينقلب صديق مقرب ويصبح خائناً للثقة التي منحناه إياها بلا تردد. في هذه النقطة الدقيقة، يأتي الشعر ليصور حزن القلب الذي تعصف به الرياح الغادرة مثل الموجات العاتية. إليكم بعض الأشعار الجميلة التي تتناول موضوع غدر الصديق:
- يقول الشاعر العربي القديم أبو تمام التاهري:
"ما كل من طالت معاشرته أوهت عليه نهاراته ولياليه
ولا كل من مضى معه سفراً ذهب شكرهم ولا لهم عنده فضلٌ يعرفه".
يعكس هذا البيت شعور الحيرة والخيبة عند اكتشاف غيرتهم وخياناتهم؛ فقد ظن المرء بأن الطريق قد امتلأت برفاق الرحلة ولكن الواقع يكشف النقاب عن كون البعض منهم ليس سوى رفاق الظلام فقط!
- بينما يشير الشاعر المصري حافظ إبراهيم إلى جانب مظاهر الغدر المختلفة باستخدام التشبيه القوي: "قد رأيتُُ الناسَ كالنارِ إذا احترقتْ فهي تخبو وتستدعي النار النار". فهو يقارن بخيانتهم بحادث يحرق الجميع بدلاً من تحويل الضرر نحو الآخرين لإطفائه وبالتالي ترك الجرح مفتوحاً مؤذياً لكل من هم حول الشخص المصاب بشكل مباشر وغير مباشر.
- أما الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان فتقدم وجهة نظر المرأة تجاه مثل تلك المواقف المدمرة لكرامتها وعواطفها العميقة كما ورد في قصيدتها الشهيرة "إلى صديقي": "أنا لم أفعل ولكنني مُلام ... لأنني امرأة وأنت رجل!" هنا تشعر بالإساءة بما يسمى بالنفاق الاجتماعي وهو تكليف النساء بردّ الإهانة مقابل خطايا الرجال وكأن المجتمع يستحل موقفهم وينظر بإعجاب لأفعالهم المقززة تحت ستار الرجولة الزائفة!!
- وفي الوقت نفسه يتم تقديم رؤية مختلفة عبر شاعر عربي آخر وهو عمر بن أبي ربيعة والذي كتب قائلا :"لو كنت تعلم يا قلبُ / أنّ الحبَّ هو الموتُ لكانت دموع العين تغسل البرية". فهذه القصيدة تحمل رسالة فلسفية عميقة مفادها أنه بالنظر لما قد يحدث نتيجة لذلك النوع من الأذى النفساني والعاطفي المؤثر بشدة فإن الشعور بالحنين للأوقات الطيبة المشتركة سيكون أقسى بكثير مما لو كانت بداية علاقتكما مجرد معرفة سطحية. بالتالي يبقى الرعب الأكبر هنا احتمال خسارة شخص اعتبره صاحب الروح حتى وإن انفض عنه عباءة الوداعة واستبدلها بالمكر والقسوة بكل وحشيتها المنكرة.
- أخيرا وليس آخرا ، تمثل قصائد أحمد شوقي كثيرا لهذه الحالة إذ قال ذات مرة : "لا تَحسَبَنَّ عيشَكِ سرمدا وَلَا ترجَعِنَّ الفؤادا فتكون إن تهجرينا من بعد الهجر تقصدا ." وهذا يعني ضمنيا ضرورة التفكير مليّا قبل اتخاذ قرار هجر المحبوب بسبب تصرفاته لأنه حتما سيصل مجدداً وسيكون حينئذ الأمر الأكثر ألماً بالنسبة للمصاب الأصلوبالهجر المتبادل. وهكذا تستمر دورة البحث عن الصداقة الحقيقية بين جيل وشقيقه الأخريات الذين يلتمسون مكانا آمنا معنويا وسط بحر العلاقات الإنسانية المضطرم.