تزدان الجزائر العاصمة بروعتها الفريدة، حيث تتداخل بين حضارات مختلفة عبر قرون طويلة لتُرسخ تراثاً ثقافياً غنياً لا مثيل له. وفي رحاب هذه المدينة المنبسطة بسحر خاص، نستعرض لكم بعضاً من أبرز المواقع والمعالم التي تشكل جزءاً لا يتجزأ مما يعرف باسم "جمال الجزائر". إنها حكايات تقاوم مرور الزمن وتعكس ثراء التجربة الإنسانية الغنية.
نرسم لوحة ذهنية لنصب مقام الشهيد، شاهداً هادئاً على تضحيات الشعب الجزائري وحقه المشروع في الحرية والاستقلال. لقد كانت تلك روح الانتفاضة ضد المستضعفين الذين تحدوا الظروف الصعبة واستمدوا قوة تصميمهم من مخاض الولادة الوطني. هنا، نرى بصمة النخيل الشامخة وهي ترتفع نحو سماوات الوطن الواعد، رمز للتفاؤل والأمل بحاضر أفضل وغد أكثر إشراقاً.
وبينما نسير نحو عمق قلب العاصمة نقابلنا لبنة أخرى من ذاكرتها العمرانية، إذ يحلق أمام أعيننا مشهد ميدان البريد المركزي بتصميماته المشرقة وأبعاده الجمالومصرية. إنه تحفة هندسية خلابة تنضح بذكرياتها المفعمة بالبهجة والحنين للأيام الماضية عندما اجتمع أهل الضاد تحت سقف واحد لاستلام رسائل محبوبيتهم أو لإرسال أسفار الحب والعاطفة! ولم يكن الأمر مجرد استراحة مؤقتة لقارئي الرسائل آنذاك بل كان مكانا يجسد الروابط المجتمعية وينبض بالإبداع المحمي بإطار زمني يعود لما يقارب قرن ونصف القرون مضت.
ومن أفقٍ آخر ينطلق مدخل قصبة الجزائر القديم ليعيدنا لعصر مغاير تمامًا! فنحن الآن نواجه واحة تاركة خلف ظهرها كثبان رمال الصحراء القاسية لتعانق مياه البحر المتوسط المقمرة وتحكي قصة حياة لأجيال عديدة منذ القدم الروماني حتى اليوم الحديث. فعلى سفوح هضبتها المُحفوظة جيدا يتسلل صوت همس أحجار حجارتها القابعة هناك مُترقبين لحظة انتباه جديد يلتقط صورهم ويعجب بها الدهور التالية لهم كما سبق وان حدث سابقاً عدة مرات خلال مراحل مختلفه من تأريخ البشرية. لذلك فهي تعتبر منتدى حي ومتعدد الوظائف يعد مصدراً دائماً للتواصل الثقافي والتاريخي بالإضافة لأنها تشهد علي وجود مجتمع متنوع وذو جذور متينة داخل بوتقة واحدة منذ حقبات ماضية عديده .
والخطوة الأخرى تمثل نقطة عبور لمختلف الديانات والثقافات المتنوعة - الجامع الكبير - إحدى كنوز البلاد وشاهد مهم لمنطقة المغرب العربي الإسلامي الكبيرة والذي يمكن اعتباره مثال واضح عل التأثير الاسلامي المعماري والمذهبي أثناء فترة الامبراطورية الراشدية. فهو قطعة فريدة راسخة تربط حاضر المنطقة بتاريخ أبوي مجيد بينما تحمل لحضور أمجاد العصور الوسطى بلا حدود. أما بالنسبة لمسجد كتشرى وغيرها من المعابد المختلفة فهناك شعور ملحوظ يفسر مدى قدرة الناس المختلفين ضمن الحدود السياسية للدولة الوطنية الحديثة على التعايش بانسجام جنباً إلى جنب بدون ابتزاز الهويات الخاصة بكل مجموعة منهم.
بعد ذلك وجهتنا الأخيرة هي كاتدرائية نوردام د افريكا والتي توفر منظور مبتكر لاحتفالية الدين المسيحي بالمغرب العربي وذلك باستخدام التصميم ذو الشكل البيزنطي ولكنه بنفس الوقت يحتفظ برمزيتها الخاصة المرتبطة بموقع البلدة نفسها وكأنها تناضل بشكل دائم للحفاظ على هويتها الأصلية رغم كل الأشياء الخارجيه المؤترة عليها . وهذا ربما يمثل موقف مواطني العاصمة أنفسهم وهم يستطيعون البقاء ثابتين بشأن معتقداتهم الحميمة والدفاع عنها بحرص شديد بغض النظر عن الظروف القاسية خارج اسوارهـا أو المناخ السياسي المضروب الموضوع حول رقبتها العقائدية.