في الإسلام، تعتبر العبادات المختلفة وسيلة لتحقيق رضا الله وتحقيق الخلود الأخلاقي الروحي للمؤمن. ومن أهم هذه العبادات التي تدوم ثواباتها حتى بعد الموت هي "الصدقة الجارية". إنها شكل خاص من التزامات الخير حيث تستمر الفوائد والصلاة نيابة عن المتوفى بسبب العمل الصالح الذي أدى إليه أثناء حياته.
يتبين لنا معنى وطبيعة الصدقة الجارية عبر العديد من الأحاديث الشريفة التي تشدد عليها. يقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: "(إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء...)"، ويواصل قائلاً: "...(وصَدَقَةٍ جاريَّةٍ)". يشير هذا الحديث إلى استمرار تأثير بعض أعمال المؤمن حتى بعد وفاته. يوضح علماء الدين مثل الإمام النووي أن الأمر هنا يدور حول تلك الأعمال التي كانت سبباً لها قبل الوفاة، مما يعني أنها ستستمر بإذن الله في تقديم الثمار لصاحبها في العالم الآخر.
تشمل أمثلة للصدقات الجارية بناء المساجد والمرافق العامة الأخرى، والنشر التعليمي للعلم النافع، والإعلان المستدام لأعمال الخير كالنهر المنبعث أو المنزل الذي يتم بناؤه للأرامل أو المحتاجين. بينما يعد كل فعل خير له جزاؤه الخاص، فإن المصطلح التقليدي "الصدقة الجارية" عادة ما يشير بشكل أكبر لعمل ثابت ومستمر يؤثر إيجابيًا لفترة طويلة بعد الانتهاء منه.
يستند تعريف ابن حزم لهذا النوع من الصدقات على دوام أجره post mortem. وبناءً على ذلك، يمكن اعتبار أي شيء قد يساهم في خدمة المجتمع واستخدام الأفراد بطرق مثمرة كمصدر لإطلاق العطاء والدعم المستقبلي للمسلمين الذين مازالو أحياء. وهذا يتفق أيضًا مع إيمان المسلمين بأن جميع الأعمال الظاهرة والخفية تحت نظر رب العالمين وأن المقاصد الطيبة هي أساس قبول الأعمال أمام الله عز وجل.
وفي النهاية، يجب التأكيد على ضرورة الحرص على أداء أنواع مختلفة من الصدقات خلال فترة العمر القصيرة للحصول على المكافأة الكاملة منها، خاصة فيما يعرف بــ"الصدقة الجارية". فلنفعل اليوم ما سيظل ذا قيمة وغذاء للقلب طوال الزمن القادم!