كان للمهاجرين والأنصار مكانة خاصة في قلوب المؤمنين منذ بداية ظهور الإسلام. هؤلاء الأفراد كانوا مثالاً حيًا للإخلاص والتفاني في نشر رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. لقد تركوا كل شيء خلفهم - أملاكهم وأسرهم ومنازلهم - واتجهوا نحو مدنية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بسبب عشقهم لقلب دين الله وشعورهم العميق بالإيمان. لقد كانت صدقاتهم متجذرة في إيمان صادقة ومخلصة، حيث بذلوا حياتهم وممتلكاتهم بكل بساطة لخدمة الدين الجديد.
بالحديث عن المهاجرين تحديدًا، فقد هاجروا من أرض بيوتهم الأصلية عندما بدأ الظلم والقمع ضد المسلمين. القلوب الرقيقة لهذه المجموعة الرائعة جذبها الأمل في حياة أفضل، ولكن ليس فقط الحياة الدنيا. بل كانوا يسعون للحصول على رضوان الله والفوز بجنة عرضها السموات والأرض. وقد شهد القرآن الكريم بهذا النوع من التعظيم والثناء لأفعالهم حين قال سبحانه "للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله". هذه الشهادات تؤكد نقاء نيتهم وصحة إيمانهم.
وفي الجانب الآخر، الأنصار؛ أولئك الذين استقبلوا المهاجرين بروح من الرحمة والعطف غير المشروط. صحيح أن المهاجرين حصلوا على تقديس خاص نظراً لتجارب الهجرة المحزنة التي عاشوها، إلا أن الأنصار لم يعترضوا أو يشعروا بالحسد تجاه هؤلاء الأخوة الجدد. عوضاً عن ذلك، اعتنقوا مشاعر الحب الدافئة حقاً نحوهما، كما ذكر الكتاب المقدس: "واليوم التالي الذين تبؤوا دار المدينة والإسلام قبلهم يحبون مم هاجر إليهم وليس لديهم شيء مما أوتي خصداً". وهذا التشبيه يؤكد مدى تفانية هؤلاء الأشخاص عبر عدم وجود حسد داخل نفوسهم ولجوئهم المستمر لمساعدة الغريب قبل الذات الخاصة بهم.
لكن الأمر الأكثر أهمية هو رحمة الله الواسعة لكل من المهاجرين والأنصار والتي وصلت إلى حد رضا الرب نفسه حسب الآية القرآنيكية :"والسابقيون الأوائل من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبد الدهر ذلك الفوز العظيم." بهذه الوصفة المباركة نعرف بأن شعلة الإيمان الحقيقية تلك ستستمر وتمتد للأجيال التالية أيضًا.
وعند النظر بشكل أدق بين أفراد هذه المجتمعات المجيدة، يمكننا اقتفاء آثار شخصيات بارزة مثل سعد بن معاذ وسعد بن عباده وبريء بن معرور وغيرها الكثير ممن أظهرت أعمالهم الإنسانية وتصميماتها الروحية مساحة واسعة لإعجاب الناس واحترامهم حتى يومنا هذا وبعد مرور قرون طويلة! إن قصص هؤلاء القديسين تشكل جزء أساسي للتاريخ الإسلامي الذي يجب دراسته وفهمه جيدًا لتقديره حق قدره.