- صاحب المنشور: ناجي الحمامي
ملخص النقاش:
في عصر العولمة المتسارع الذي نعيشه اليوم، تواجه العديد من الدول العربية تحديات هائلة فيما يتعلق بتحديد هويتها الثقافية وموازنتها مع حاجاتها للتطور والانفتاح على العالم. تتداخل هذه القضية المعقدة بين الالتزام بالتقاليد والموروث الثقافي الغني لبلداننا وضرورة مواكبة التحولات العالمية التي تقودها التكنولوجيا والإعلام والأفكار المستوردة. وفي هذا السياق، يبرز دور اللغة كأحد أهم محددات الهوية الوطنية وبيناصرها الأساسية للنقل الفكري والمعرفي.
تُعدُّ اللغات المحلية في أي دولة جزءاً لا يتجزأ من تراثها وأساس بقائها كمجتمع متماسك يحافظ على خصوصيته وسط موجة التقارب العالمي. لكن التعامل مع اللغة ليس مسألة ثابتة أو جامدة؛ بل هي عملية ديناميكية تتكيف وتتطور باستمرار لتلبية احتياجات مجتمعاتها. فبالرغم مما قد توفره وسائل التواصل الرقمي الآن من فرص للمواطنين العرب لمشاركة أفكارهم وثقافتهم خارج نطاق حدود دولهم الضيقة إلا أنها أيضاً تشكل تهديدا وجودياً لحفظ لغتنا الأم وضمان استمرارية استخدامها داخل الأجيال الشابة.
إن فهم ماهية "الهوية" بمعناها الواسع أمر حاسم لفهم طبيعة الصراع الدائر حول الحفاظ عليها ضد غزو الأفكار الأخرى. فالبحث عن الذات والتفرد والشعور بالانتماء جميعها أمور ترتبط ارتباط مباشر بلغتك وعادات بلدك وقيمه الاجتماعية المعروفة لدى الجميع منذ القدم. هنا يكمن جوهر المشكلة إذ أنه حينما تتعرض تلك المقومات التاريخية للتهديد بسبب تأثيرات خارجيو المنشأة فإن رد فعل المجتمع تجاه ذلك يكون متفاوت بحسب مدى قوة جذوره الراسخة عبر الزمن وطرق تعاطيه معه مدركا لأصالته وجدانيته الخاصة به والذي لا يمكن شراؤه بأموال ولا بإغراءات أخرى مهما كانت مغرية ظاهريا ولكن مضمونتها غير مطابقة لما يؤمن به داخليا وقد يشعر بعد مرور مدة قصيرة بخيبة أمل عندما يكتشف بأنه تعرض للاحتيال بالنفاق الخارجي المخادع! لذلك ومن أجل تحقيق التوازن المنشود فعلى كل جيل مسؤولية تاريخية تتمثل بالحفاظ قدر الإمكانعلى موروث آبائه وأجداده بينما يستوعب أيضا ويستفيد مما تقدمه حضارات المناخ الاجتماعي الجديد حتى ولو اقتضى الأمر بعض المرونة والاستيعاب الذكي للأبعاد المختلفة للحياة البشرية بدون الانصهار الكلي فيها طبعا لأن الشخصية الذاتية لها قيمة خاصة وفريدة لن تستبدل أبدا وإن اختلطت بالأخرى فتلك خضاب حياة ملونة جميلة ينشدها النفس المتحضر المثقف حقائق جمالية متكاملة الصورة مفيدة لإدراك الواقع بكل تفاصيله دون تضليل نفسها زيف وهم مستعار نسب إلى أصالة الآخر المغلف بشعيرات مزيفة مفضوحة لمن لهم بصيرة نظر ثاقبة تمتاز ببصيرة ناظرة عميقة لرؤية الباطن الظاهر المكشوف المظهر مقنع أمام العامة مخالف تماما لما يؤمن به القلب الداخلي المدثر بسلوك حسن معتدل متزن معتبر قول رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).وتطبيق هذه الآية القرآن الكريم{ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} [فصلت :33] . فالعرب قادرين لو أرادوا ولديهم القدر الكافي لدحض مثل هكذا دعوات مستوردة مشبوهة المصدر وغير صادقة الجوهر وليعلم الأشخاص الذين يدعون بشعارات براقة مشاهدة زاهية نظرتم بريئة ظاهرها نور باطنها ظلمة حالكة مظلمة كيف ستكون مصائرهم عند رب الأرض والسماوات؟ فهو سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى وهو حسبنا وهو نعم الوكيل والحامي القدير لكل نفس مؤمنة عابد مجاهد صادق مع نفسه عامة وشخص نفسه خاصة