- صاحب المنشور: غازي بن العيد
ملخص النقاش:
أثيرت منذ قرون جدلية بشأن العلاقة بين الدين والعلوم. هل هما وجهان لعملة واحدة، حيث يزدان أحدهما بالأخلاقيين الروحيين والأخرى بأدوات الفهم العلمي؟ أم أنهما متعارضان، كل منهما يقترب من الحقيقة عبر طرق مختلفة ومتباينة؟ هذا التجاذب الأبدي يتجلى بقوة في المجتمعات المتنوعة حول العالم. لكن، إن نظرنا بصورة أكثر شمولية وأعمق، يمكن رصد نقاط التلاقي والتداخل التي غالباً ما يتم تجاهلها أو التقليل منها.
في القرن الأول للهجرة، كان الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يُشاد به كمفكر علمي مُبتكر عندما قال "إنَّ اللَّهَ جَعَلَ فِي كُلِّ خِلَّةٍ ذِكْرًا". هذه المقولة تسلط الضوء على اعتراف مبكر بأن الكون مليء بالعلامات والإشارات الدينية، والتي تشكل أساس البحث العلمي الحديث. تعكس رؤية الإسلام للطبيعة باعتبارها كتابا للحكمة، مؤكدة بذلك أهمية دراسة العالم وفهمه كما هي رسالة داعمة للبحث العلمي.
مع ذلك، فإن بعض جوانب العلوم قد تُنظم وتُعتبر غير مناسبة ضمن السياقات الثقافية والدينية لدى البعض. مثلاً، التجارب البيولوجية الجذرية مثل الهندسة الوراثية تعتبر حساسة للغاية في العديد من الدول الإسلامية بسبب القضايا الأخلاقية والمعنوية المرتبطة بها. هنا يأتي دور المؤسسات والمجتمعات الدينية لتوجيه التأويل والنظر في الآثار المحتملة لهذه التقنيات الحديثة على القيم والمبادئ الأساسية للدين.
وبالنظر إلى تاريخ أوروبا خلال عصر التنوير، نجد كيف تم استغلال المفاهيم الدينية لإثبات وجود الجهل وبالتالي حاجة الإنسان للاستقلالية المعرفية. هذا النهج أدى إلى فصل كامل بين العلم والدين، وهو الفصل الذي أصبح معياراً حتى اليوم في الكثير من الأكاديميات الغربية. ولكن، هذا الرأي ليس عالمياً ولا ضرورياً. فالعلم يمكن النظر إليه كجزء من رحلة فهم أكبر للإنسان والعالم، وليس تحديا لمبدأ الإيمان.
الأمثلة المعاصرة تكثر. هناك علماء مسلمون بارزون يعملون في مجالات علمية متنوعة وهم يشهدون بإمكانية الجمع بين الالتزامات الدينية والمساعي العلمية. الدكتور زاكاري ستيفنز، وهو عالم مسلم أمريكي، قدم إسهاماته البارزة في مجال الطبية وأبحاث السرطان بينما ظل ملتزمًا بتعاليمه الإسلامية. مثال آخر هو الدكتور محمد حسن عبد الرحمن، وهو عالم مصري معروف بم his عمل الرائد في مجال الفيزياء الفلكية، والذي أكد دائمًا على توافق عمله العلمي مع معتقداته الدينية.
وفي نهاية المطاف، يبدو أن أفضل طريق أمام مجتمعينا المعاصرين هو احترام الاختلافات والتأكيد على الحقائق المشتركة. إن التعامل مع الدين والعلوم كلاهما جزءين مكملين لفهم شامل للعالم وللدين بل ولأنفسنا أيضاً. إنها دعوة للتسامح والحوار الهادف بدلاً من الجدال العقيم، وذلك لتحقيق توازن مستدام ومفيد لكلتا المساعيتين المقدستين: الفهم العلمي الغني والفهم