مستويات محبة الرب كما تصورها رؤية ابن القيم الجوزية

تعد فلسفة الحب الإلهي لدى الشيخ الإسلام محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي الشهير بابن القيم (691-751 هـ) إحدى أكثر المواضيع دقة ومعنىً في الفكر ا

تعد فلسفة الحب الإلهي لدى الشيخ الإسلام محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي الشهير بابن القيم (691-751 هـ) إحدى أكثر المواضيع دقة ومعنىً في الفكر الصوفي الإسلامي. هذا الرجل العظيم، الذي اشتهر بتأويلاته المعمقة للنصوص الإسلامية واستخدام التشبيهات البلاغية الغنية، يقدم لنا رؤى فريدة حول درجات وأشكال حب الله عز وجل.

في نظره، يمكن تقسيم مراتب الحب إلى ثلاثة مستويات رئيسية بناءً على درجة قرب المحب من محبوبته - وهو الله سبحانه وتعالى. هذه المستويات ليست مجرد مراحل متوالية بل هي حالات مختلفة تتطلب مستوى معين من التعرف والتجربة الروحية.

الأولى تُطلق عليها "مرحلة الرغبة"، وهي بداية الطريق نحو محبة الخالق. هنا، يشعر الشخص بحاجة ماسّة لله وللحصول عليه. ولكن بمجرّد الانتقال لهذه الحالة، تبدأ الرحلة الحقيقة للتخلص التدريجي من الأنانية الزائدة والميل نحو الذات.

ثم يأتي بعد ذلك ما يسميه ابن القيم "مرحلة الوصال". وفي هذه المرحلة، يتم تحقيق الوحدة الحقيقية مع الله؛ يصبح القلب متعلقاً بالله بشكل دائم ومتوازن. إنها حالة من السلام الداخلي والخضوع التام لأوامر الله ونواهيه دون مقاومة ولا انزياح جانباً عنه.

وأخيراً تأتي مرحلة "الفناء". وعند بلوغ الفناء، يفنى كل كيان المؤمن أمام عظمة الله ويختفي تماما كي يتحقق اتحاد مطلق بين المتعبد وربه. يكاد يصل الإنسان لحالة اليقين التامة بأن وجوده ليس له قيمة بدون وجود الله وأن حياته وكل أعمال الخير التي يقوم بها تنبع فقط بسبب رحمة ومحبته للخالق جل وعلى.

إن فهم هذه الدرجات الثلاث يساعدنا كثيرا لفهم طبيعة علاقتنا بالله وكيف ينمو حبه وتدينه داخل نفوس المتحاببين فيه حق الثناء والحمد. إن حياة العبد تحقق إشباعا روحانيا عميق عندما ترتاح لدرب المحبة والإخلاص لوجه رب العالمين حسب توصيات نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.


الفقيه أبو محمد

17997 مدونة المشاركات

التعليقات